مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) (١).
الخصوصية الثانية التي تكمل هذه الصورة : أنّ هذه المسيرة لم تكن وراءها قدرة ، أو سلطان ، أو مال ، أو عدد ، أو غير ذلك من الإمكانات المادية التي يعرفها الإنسان في عالم الدنيا ، بحيث يمكن أن يفسر هذا النمو والتطور ماديا ، فيقال : إنّ من الطبيعي عند ما تكون المسيرة من ورائها الأموال والسلطة والعدد الكبير والإمكانات الواسعة أن تبدأ صغيرة ، ثمّ تصبح كبيرة ومتنامية ، كما هو الحال في كل معالم الطبيعة ، وإنّما كانت هذه المسيرة مضمخة بالدماء والآلام والمحن والمصائب والضغوط ، ومحفوفة بالتشريد والمطاردة والفقر ، إلى غير ذلك مما عرفته هذه المسيرة على طول التاريخ الإسلامي.
مضافا إلى ذلك العوامل التي كانت معيقة لها ، بل ومدمرة لها ومحاصرة لحركتها ، فهي مسيرة مقموعة ومحاصرة ومطاردة ، ومع ذلك كله كانت تتنامى عددا ومضمونا ، ولم يكن التنامي في العدد فحسب ، ولكنّها كانت تتنامى في المضمون أيضا ، في الصبر والثبات والمعرفة والفهم للحياة والمواقف الجليلة والإنجازات الهامة.
وهذا الجانب الذي يكمّل الصورة يوصلنا إلى هذا الاستنتاج ، وهو أنّ المسيرة بهذه الصفة والخصوصية لا يمكن أن تفسّر إلّا على أساس أنّها مسيرة حق ، وأنّ الجماعة التي تلتزم بالإيمان بأئمة أهل البيت الاثني عشر عليهمالسلام هي على الحق ، وتتعرض لما تعرضت له هذه الجماعة من آلام وأذى وتبقى.
نعم قد نجد بقاء جماعة على غير الحق ، ولكن المهم في الوصول إلى هذا الاستنتاج هو أن تبقى المسيرة متنامية ومتكاملة باستمرار ، أما أن تبقى محجمة
__________________
(١) الأنبياء : ١٠٥.