لدى مذاهب المسلمين في بعض الأدوار على غلق باب الاجتهاد (١) ، ولكن الشيعة بقوا مصرّين على هذا الأمر والمنهج من البحث ، وتحملوا الكثير من الأذى في سبيله ، حتى أصبح في هذا العصر المنهج العام المعترف به في الأوساط الإسلامية العامة.
فالشيخ الطوسي قدسسره الذي تميز في مرجعيته بأنّه كان منفتحا على مختلف مذاهب المسلمين ، ويمكن أن نقول عنه : إنّه كان ممن تكامل على يده الكتابة في بحوث (الخلاف) وكان كتابه (الخلاف) من أكبر وأقدم الموسوعات الفقهية التي تناولت المذاهب الإسلامية ، وهكذا كان حالة في قضية الكلام والتفسير ، فإنّه أول من ألّف في التفسير المقارن ـ كما نعرف ـ فكان تفسيره (التبيان) ، ومنه أخذ هذا المنهج الشيخ الطبرسي صاحب مجمع البيان ، إلى غير ذلك من الفتوحات التي حققها الشيخ الطوسي قدسسره في هذا المجال ، وبالرغم من ذلك كله كان قد تعرض إلى الأذى والمطاردة الطائفية.
وكان قبله العلامة الكبير ابن الجنيد البغدادي قدسسره الذي ألّف في الفقه واستدل فيه بالأدلة المتبعة لدى مختلف المذاهب الإسلامية ، وكان يفتي لجميع المسلمين وللدولة الإسلامية أيضا ، وتعرض إلى القذف والهجوم عليه من متعصبي بعض المذاهب الإسلامية.
إذن ، ففتح باب الاجتهاد والاستمرار فيه كان بسبب عمل وصمود هؤلاء ، حتى أصبح هذا الأمر الآن من الأمور المسلّمة عند المسلمين.
ثالثا : المحافظة على وجود الأمّة الإسلامية ، فقد تعرضت الأمّة الإسلامية في
__________________
(١) لقد حاول المعتزلة أن يؤسسوا لهذا الخط العلمي في مجال علم الكلام في بعض الأدوار ، ولكنّهم انقرضوا ولم يتمكنوا أن يصمدوا أمام عمليات القمع والمطاردة ، كما أنّ منهجهم محدود ولا يتسم بالشمول لجميع المجالات الإسلامية.