يذكرون : أنّ العقلاء التزموا في سيرتهم الشخصية وقضاياهم الاجتماعية بالرجوع إلى الأعلم ، فعند ما يبتلى الإنسان بمرض ـ ولا سيما إذا كان المرض خطيرا ـ يفتش المريض العاقل وأهله عن أعلم الأطباء ، ليرجعوا إليه في هذا الأمر.
وهكذا عند ما يريد الإنسان أن يبني بناء ، أو يقوم بأي عمل ، ولا سيما إذا كان العمل خطيرا يهتم به الإنسان ، فإنّه يفتش عمّن يكون قادرا على أداء هذا العمل بصورة أفضل.
كما ورد هذا الموضوع في نصوص أهل البيت عليهمالسلام أيضا ـ كما ذكرنا ـ ويكون ذلك وجها آخر من الاستدلال على هذه الحقيقة ، أو كاشفا عن الوجه الأول.
أما النصوص عن أهل البيت عليهمالسلام فهي كثيرة ، ولكن أشير إلى نصين منها :
أحدهما : ما ورد في كلام أمير المؤمنين عليهالسلام : «إنّ أولى الناس بهذا الأمر ـ يعني في إدارة أمر الخلافة ـ أقواهم عليه» (١) ، اي أنّ الشخص الذي يكون متصفا بأنّه الأقوى على إدارة هذا الأمر يكون أولى الناس بهذا الأمر.
وهذا معناه أنّ الأفضل يكون مقدما على غيره في الإمامة.
ثانيهما : ما ورد في صحيحة العيص بن القاسم عن الإمام الصادق ، حيث يشرح الإمام عليهالسلام السيرة العقلائية ـ تقديم الأفضل في الإمامة ـ باستخدام هذا المثال البسيط ، فيقول : «عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له ، وانظروا لأنفسكم ، فو الله إنّ الرّجل ليكون له الغنم فيها الراعي ، فإذا وجد رجلا هو أعلم بغنمه من الّذي هو فيها يخرجه ويجيء بذلك الرّجل الّذي هو أعلم بغنمه من الّذي كان فيها ...» (٢).
وقضية الغنم وإن لم تكن قضية خطيرة بالنسبة إلى المجتمع الإنساني كله ،
__________________
(١) نهج البلاغة : ٣٢٩ / ١٧٣ ، الجدير بالخلافة.
(٢) الكافي ٨ : ٢٦٤ / ٣٨١ ، بحار الأنوار ٥٢ : ٣٠١ ـ ٣٠٢ / ٦٧.