أشارت إلى ذلك الأدلة السابقة التي أوردناها في حق إمامة علي وأهل البيت عليهمالسلام ، فإنّها إذا لم تدل على إمامتهم فهي تدل ـ على أقل تقدير ـ على أفضليتهم.
ونحن نكتفي هنا بإثبات جانب الأفضلية ، وهي أقل ما تدل عليه تلك الروايات الخاصة أو ما ورد في تفسير الآيات الشريفة التي نزلت بشأنه عن طرق أهل السنة.
وهذا أمر يكاد أن لا يشك به أحد من المسلمين ، وقد ذكرت في بعض المحاضرات أنّ النصوص التاريخية تدل على أنّ الخلفاء الأوائل الذين تقدموا عليا عليهالسلام بالخلافة كانوا يعترفون لعلي عليهالسلام بهذا الفضل ، فعمر ـ مثلا ـ في مرات عديدة كان يقول في علمه وفضله : (لو لا علي لهلك عمر) ، ويقول أيضا : (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن) ، وكذلك يقول : (أقضانا علي) ، وتوجد نصوص كثيرة تدل على أفضلية علي عليهالسلام (١).
ولذلك تتبنى جماعة كبيرة من المسلمين ـ يمثلون النخبة في المجتمع الإسلامي وهم المعتزلة وغيرهم ـ هذه الحقيقة كجزء من عقيدتهم ، بأنّ عليا عليهالسلام
__________________
(١) يحسن مراجعة فضائل الخمسة ٢ : ٢٩٦ ، و ٣٠٦ ـ ٣٤٤.
(.. وما أقول في رجل تعزى إليه كلّ فضيلة ، وتنتهي إليه كل فرقة ، وتتجاذبه كلّ طائفة ، فهو رئيس الفضائل وينبوعها ، وأبو عذرها ، وسابق مضمارها ، ومجلّي حلبتها : كلّ من بزغ فيها بعده فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى ...
.. وأما فقه الشيعة فرجوعه إليه ظاهر. وأيضا فإنّ فقهاء الصحابة كانوا : عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عباس ؛ وكلاهما أخذ عن علي عليهالسلام. أما ابن عباس فظاهر ، وأمّا عمر فقد عرف كلّ أحد رجوعه إليه في كثير من المسائل التي أشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة ، وقوله غير مرة : (لو لا عليّ لهلك عمر) وقوله : (لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن) ، وقوله : (لا يفتينّ أحد في المسجد وعليّ حاضر) ؛ فقد عرف بهذا الوجه أيضا انتهاء الفقه إليه ...) ، راجع مقدمة شرح نهج البلاغة ١ : ١٨ ، لابن أبي الحديد.
وسوف يأتي مزيد وتوضيح لهذه الحقيقة في بحث (أهل البيت عليهمالسلام والمرجعية الفكرية).