الثالث : الامتياز بالعلم والأخلاق والصفات الروحية المكتسبة ـ عادة ـ من خلال الممارسة والتجربة والامتحان والابتلاء ، بحيث يكون المتقدم في ذلك على أهل زمانه فهو أعلمهم وأفضلهم في صفات الكمال.
وليس من الضروري أن تكون هذه الصفات مكتسبة ، بل قد تكون منحة إلهية ـ كما سوف نشير ـ ولكن من الضروري أن تكون ثابتة فيه ، ليكون مؤهلا لهذه الإمامة.
وهذا البعد يمكن أن نستفيده مما أشارت إليه الآية وغيرها ، من أنّ هذا الاستحقاق بسبب هذا التأهيل : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ...) ، إذ يفهم منه أنّ الابتلاء بالكلمات كان السبب في هذا الجعل والتأهيل له.
وكذلك ما ورد من قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا ...) (١) ، حيث يفهم منه أنّ الصبر كان وراء هذا الاستحقاق.
ويؤكد ذلك ـ ما يفهم من الآية ـ ورود التصريح به في روايات أهل البيت عليهمالسلام ، من أن الإمامة أعلى درجة من النبوة.
الرابع : الولاية والحكم والإدارة لشئون الناس ، لإقامة الحق والعدل والقسط بينهم ، لأنّ من يتقدم الناس في هذا الأمر ، ويتصدى له منهم ويتحمل مسئوليته بالاصطفاء الإلهي له ، لا بد أن يكون مستحقا لهذه الولاية والإدارة والحاكمية.
وهو بعد يمكن أن نستنبطه من الآية الكريمة ، ومن الآيات الأخرى التي أكدت وجوب الطاعة للرسول ولأولي الأمر ، وذكرت قيام الناس بالقسط والحكم فيما يختلفون هدفا لإرسال الرسل وبعثة الأنبياء ، قال تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ...) (٢).
__________________
(١) السجدة : ٢٤.
(٢) الحديد : ٢٥.