(وقد ذكرنا) في الوجه الثاني أن الفعل المتحقق في ضمنه التجري اختياري يصح المؤاخذة عليه كيف هو معلول من سلطنة النفس على العضلات وتحريكها إياها كما تقرر في موضعه واختيارية ذلك وكونه بيد المكلف فعلا وتركا بمثابة من الوضوح لا يكاد يخفى وانتهاؤها بالأخرة إلى الذاتيات وإلى ما ليس بالاختيار مثل سوء السريرة وخبث الطينة لا ينافي صحة العقوبة عليه كما لا ينافي ذلك صحة المؤاخذة على أفعال العبد بالنسبة إلى مواليهم العرفية فكما لا إشكال بنظر العرف في حسن المؤاخذة على أفعالهم بالنسبة إلى هؤلاء الموالي فكذلك بالنسبة إلى رب الأرباب تعالى شأنه العزيز (ومن هنا انقدح) أنه لا إشكال من هذه الجهة في صحة المؤاخذة على الإرادة والقصد أيضا لو قلنا بصدق الظلم والهتك عليه فإن الإرادة اختيارية بنفسها لا تحتاج في اختياريتها إلى إرادة أخرى كي يقال بلزوم التسلسل وليت شعري كيف يلزم التسلسل المحال مع أنه لو أغمضنا عن ذلك وقلنا باحتياجها في اختياريتها وصحة المؤاخذة عليها إلى إرادة أخرى مثلها لا يوجب لنقل الكلام إلى الإرادة الثانية كي تحتاج هي أيضا إلى إرادة ثالثة إذ بعد اختيارية الإرادة الأولى بإرادة ثانية يصح المؤاخذة عليها ولا تحتاج إلى جعل الإرادة الثانية أيضا اختيارية ثم (إنك قد عرفت) مما ذكرنا أنه لا وجه لنقل الكلام هنا إلى البحث في الذاتيات مع أن الكلام هنا إنما في استحقاق العقاب لا في فعليته ومن المعلوم أنه لا بد وأن يكون الاستحقاق وعدمه على أمر اختياري فرجوع أصل العذاب إلى البعد منه تعالى وكونه من تبعاته وإن كان صحيحا في محله غير مربوط بما هو محل البحث هنا.
فصل في أقسام القطع
لا يخفى أن القطع قد لا يكون له دخل في ترتب الحكم على موضوعه بأن يكون الحكم مترتبا على نفس العنوان