فلو كان القرآن المكتوب عندها هو الذي أُخذ عن فم رسول الله(صلى الله عليه وآله) والذي أوحاه الله إلى جبريل عليهالسلام ، فهل هناك من مبرّر لكي تأمر مولاها أن يستكتب لها نسخة من القرآن المتداول مع إضافة جملة جديدة فيه لم تكن في المصحف (وصلاة العصر) ، كلّ ذلك وهي التي عندها المكتوب «عن فم رسول الله(صلى الله عليه وآله)» كما ادّعاه عثمان في رسالته إلى الأمصار؟!
فقد أخرج مسلم بسنده عن أبي يونس مولى عائشة أنّه قال : «أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً ، وقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذنّي (حافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى) ، فلمّا بلغتُها آذنتُها ، فأملت علَيَّ (حافِظُواعَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى) وصلاة العصر (وَقُومُوا لِلّهِ قَانِتِينَ)»(١).
كلّ هذه القرائن والنصوص تشير إلى أنّ عثمان كان يريد بجمعه للمصاحف أن يعطي مشروعيّة لعمله ، والقول أنّه دوّن مصحفه عَلى وَفْقِ مصاحف الصحابة وأمّهات المؤمنين وأنّه لم ينفرد بالرأي.
صحيح أنّ الأُمّة قبلت بالمصحف الرائج وحبّذت توحيد المصاحف ، لكن توحيدهم على قراءة واحدة ، وهي قراءة زيد بن ثابت كان لا يرضي الكثيرين منهم ، كما أنّ كبار الصحابة كانوا يشكّكون في صلاحية اللَّجنَةِ المشرفة على هذا العمل ، أو وجود بعض الصحابة ضمنها مثل أُبيّ بن كعب.
فلو كان عثمان باحثاً عن الأفضل كان عليه ـ تأكيداً على حسن نيّته ـ أن ينتدب إلى هذا العمل كبارالصحابة أمثال ابن مسعود ذلك الغلام المُعَلَّم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) صحيح مسلم ١/٤٣٧/ح ٦٢٩.