يريدون اعتمادها أصلاً في عملهم ، بل أخذوها لكي يرفعوا التناقض المحتمل تصوّره بين نسختها وبين نسخة الخليفة عثمان؛ لأنّ النسخة الأولى الموجودة عند حفصة هي ممّا جمعه زيد أيضاً على عهد الشيخين ، فأراد عثمان أن لا يحصل التعارض بين النسختين أي بين ما نسخه زيد لعثمان وما نسخه للشيخين من قبل «فأرسل عثمان إليها فأبت أن تدفعها ، حتّى عاهدها لَيَرُدَّنَّها إليها ، فبعثت بها إليه ، فنسخ عثمان هذه المصاحف ، ثمّ ردّها إليها ولم تزل عندها.
قال الزهري : أخبرني سالم بن عبدالله : «أنّ مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف الّتي كتبت بها القرآن ، فتأبى حفصة أن تعطيه إيّاها ، فلمّا توفّيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبدالله بن عمر ليرسل إليه بتلك الصحف ، فأرسل بها إليه عبدالله بن عمر ، فأمر بها مروان فشُقِّقت»(١).
فإباء حفصة إعطاء نسخة المصحف الموجود عندها إلى عثمان ، وعزيمة مروان على تشقيقها وتمزيقها ، أو تحريقها ، يشيران إلى وجود مغايرة في مصحفها عمّا في المصحف الذي أراده عثمان ، وكلامها قريب من كلام أبي موسى الأشعري المذكور آنِفاً. ولا يخفى عليك بأنَّ المستشرقين استشمّوا رائحة التحريف في الكتاب العزيز ، من هكذا نصوص.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) انظر فتح الباري ٩/٢٠ ، صحيح بن حبّان ١٠/٣٦٥/ح ٤٥٠٧ ، وفيه : أرسل ابن عمر إلى مروان فحرقها مخافة ، مسند الشاميّين ٤/٢٣٥/ج ٣١٦٨ ، وفيه : فأرسل بها عبدالله بن عمر فأمر مروان فشُقِّقت.