وخلاصة الكلام أنّه لا فرق في جميع الاستعمالات بين الاستعمال الحقيقيّ والاستعمال المجازيّ والاستعمال الحقيقيّ والمجازيّ كلاهما من باب واحد لأنّ الاستعمال في كليهما من قبيل الاستعمال في نفس المعنى الموضوع له فالمجاز من هذه الجهة كالحقيقة إلّا أنّ الفرق بينهما هو تخلّل ادّعاء في الاستعمالات المجازيّة وعدم ذلك في الاستعمالات الحقيقيّة فالمجاز هو استعمال اللّفظ في المعنى الموضوع له واستعمال المعنى الموضوع له في غير المعنى الموضوع له بادّعاء أنّه الموضوع له وعدم هذا الادّعاء في الاستعمال الحقيقيّ. وبعد الإمعان في الاستعمالات المجازيّة كلّها يتّضح أنّ تمام أقسام المجازات من هذا القبيل من دون تفصيل بينها كما ذكره المحقّق السّكاكيّ ، كما أنّ بذلك يظهر معنى المجاز والحقيقة.
ووجه تسمية المجاز بالمجاز والحقيقة بالحقيقة لأنّ المجاز إنّما بمعنى المعبر ومحلّ التّجاوز والعبور فإذا استعمل اللّفظ في المعنى الحقيقيّ ثمّ تجاوز الذّهن من هذا المعنى الحقيقيّ إلى غيره من المعاني بواسطة الادّعاء وبواسطة استعمال المعنى الحقيقيّ في المعنى الغير الحقيقيّ يكون ذلك مجازا وهذا الاستعمال هو الاستعمال المجازيّ كما أنّ الحقيقة بمعنى الحقّ وهو بمعنى الثّبوت والقرار فإذا استعمل اللّفظ في معناه ولم يتجاوز الذّهن من هذا المعنى إلى غيره يكون ذلك هو الحقيقة فالمعنى الحقيقيّ في الاستعمالات المجازيّة يكون معبرا ومجازا إلى غيره باستعمال المعنى في المعنى أي استعمال المعنى الحقيقيّ في المعنى الغير الحقيقيّ كما أنّ المعنى الحقيقيّ في الاستعمالات الحقيقيّة يكون ثابتا في الذّهن من دون تجاوز الذّهن إلى غيره.
ولذلك نقول : إنّ التّأوّل وعدم التّأوّل الّذي يعدّ من علامات الحقيقة والمجاز إنّما هو بمعنى ادّعاء المعنى الغير الحقيقيّ بأنّه المعنيّ الحقيقيّ كما هو معنى التّأوّل وعدم ذلك الادّعاء والاستعمال كما هو معنى عدم التّأوّل. كما نقول أيضا : إنّ الاطّراد بمعنى انتقال الذّهن من اللّفظ إلى المعنى الحقيقيّ فقط وثبوت هذا المعنى في الذّهن من غير عبور وانتقال آخر في جميع الاستعمالات وجميع الحالات الطّارية على اللّفظ وعدم الاطّراد بمعنى عدم هذا الانتقال الكذائيّ في جميع الاستعمالات والحالات.