اجتماع النّقيضين فإنّ الجواز الشّرعيّ لا ينافي مع اللّزوم واللّابدّيّة العقليّة وإن كان المراد منه حين تركها فالقياس مخدوش فيه من حيث الصّورة فإنّ الأوسط لا بدّ وأن يتكرّر في القياس وهاهنا ليس متكرّر كما لا يخفى. وقد يستدلّ أيضا على وجوب المقدّمة بالوقوع من باب أنّ أدلّ الدّليل هو الوقوع فإنّ في الأحكام الشّرعيّة والعرفيّة ما يكون مطلوبا بالطّلب الغيريّ المقدميّ كما في قول الامر ادخل السّوق واشتر اللّحم.
ففيه أنّ الأمر بالمقدّمة ليس من باب التّحريك إلى المقدّمة بل من باب التّحريك إلى المطلوب النّفسيّ.
وأمّا ما يتراءى عن بعض المعاصرين من أنّ الإرادة التّشريعيّة مثل الإرادة التّكوينيّة في تمام الخصوصيّات فكما أنّ الإرادة التكوينيّة لو تعلّقت بشيء يتولد منها إرادة أخرى يتعلق بمقدمات ذلك الشيء كذلك الإرادة التّشريعيّة فالمطلوب بالطّلب النّفسيّ يتولّد عنه المطلوب الغيريّ. ففيه أنّ الإرادة التّشريعيّة ليس إلّا البعث والتّحريك ليحصل في نفس المكلّف حبّ الفعل والاشتياق إليه ليريد ويفعل وهذا ليس إلّا إنشاء البعث نحو فعل نفسيّ بدون أن يكون هناك إنشاءات بعثيّة أخرى بحيث لو سئل من الباعث لا يعترف بأزيد من بعث واحد كما لا يخفى.
نعم ، لا بأس بافتراض الوجوب الّذي ليس له ثواب ولا عقاب ولا بعث ولا تحريك فإنّ البعث إليها هو البعث والتّحريك إلى ذيها لا إليها كما عرفت. والحمد لله ربّ العالمين.