والدّليل على الأوّل هو أنّ المسبب لما كان متولّدا عمّا أوجده المكلّف وليس ممّا أوجده بنفسه فالقدرة إنّما تعلّقت بالسّبب والأمر لا يكون إلّا إلى ما هو مقدور المكلّف مضافا إلى أنّ ما هو متعلّق التّحريك والبعث ليس إلّا نفس السّبب دون المسبّب فالبعث إنّما يتعلّق بنفس السّبب أوّلا وبالذّات دون المسبّب فالأمر الّذي بمعنى البعث قد تعلّق بالسّبب.
والدّليل على الثّاني هو أنّ الظّاهر هو المتّبع ، إذ لا صارف عقليّ في البين لأنّ القدرة على السّبب عين القدرة على المسبّب والصّادر عن المكلّف بالواسطة صادر عنه حقيقة فإنّ صدور المسبّب عنه إنّما هو بواسطة صدور السّبب عنه.
وهذا هو الحقّ لأنّ السّبب والمسبّب كليهما بإرادة واحدة فإنّه بإرادة إيجاد النّار يوجد الإحراق فكما أنّه يصحّ إسناد النّار إليه يصحّ إسناد الإحراق إليه من دون فرق بينهما. ومن هنا يعلم فساد ما ذكره البعض من الاستشهاد بأنّ الفاعل بعد صدور الفعل عنه قد يموت قبل تحقّق المسبّب التّوليديّ كما إذا فرض موت الرّامي قبل إصابة السّهم إلى الهدف فيكون انتساب الفعل انتسابا إلى الميّت وهو ضروريّ البطلان.
وفيه أنّ صحّة الإسناد إنّما هو بصدور الرّمي عنه وهذا المناط إنّما تحقّق في حال حياته فيصحّ الإسناد إليه فلا مانع من تعلّق الأمر والنّهي بنفس المسبّبات التّوليديّة كما هو مقتضى الظّواهر. هذه أنحاء المقدّمة وأجزاء العلّة وكلّما يؤثّر في الشّيء من المعدّات والشّرائط.
ومنها : تقسيمها إلى المتأخّر والمقارن والمتقدّم. وفي المتقدم والمتأخّر إشكال معروف وهو انخرام القاعدة العقليّة الّتي تقتضي تقدّم جميع أجزاء العلّة على المعلول تقدّما رتبيّا كما أنها تقتضي تقارنها في الوجود كي يؤثّر في وجود المعلول إذ مع فرض انعدام أحد أجزاء العلّة كان المعلول ضروريّ العدم.
فاعلم أنّ التّحقيق الّذي يؤدّي إليه النّظر الدّقيق هو أنّ الشّرائط والقيود إمّا أن تكون لها دخل في التّكليف أو في الواجب المكلّف به. والأوّل مثل القدرة والبلوغ والعقل وساير الشّرائط العامّة أو كلّ ما هو من هذا القبيل فهي كلّها دخيلة في ممكنيّة التّكليف لا وجود