مبحث التعبّديّ والتّوصّليّ
لا يخفى أنّ الّذي يقتضيه الطبع والنظم هو التّبيين والتحقيق أوّلا لحقيقة معنى التعبدي والتوصلي وماهيّتهما ثمّ الورود في التفريعات وبيان الشكّ واقتضاء الأصل العملي. ولكن المحقّق صاحب الكفاية خالف ذلك الترتيب بترجيح الوضع على الطبع. ونحن نقتفي أثره ونحذو حذوه. فهاهنا أمور :
الأوّل : إنّ التكاليف العباديّة هي ما لا يكاد يسقط الغرض منها إلّا بإتيانها متقرّبا إلى الله تعالى ومرتبطا به عزوجل ، والتوصّليات ما لا تكون كذلك بل يسقط الغرض بإتيان ذات الفعل على أيّ نحو كان ولو لم يقصد عناوينها القربيّة أو أتى بها في حال النوم والغافلة فلا يشترط فيها الإرادة والاختيار. وأما التعبّديّات فلا بدّ وأن يكون المقصود بها التقرّب بعناوينها فلا يسقط الغرض بنفس وجوداتها من دون توجّه إلى عناوينها القربيّة ومعلوم أنّه إذا لم يسقط الغرض لم يسقط التكليف أصلا وجوبيا أو ندبيّا.
إن قلت : إنّ التوصّليّات على خلاف التعبديّات وكانت بحيث إذا أتى بها حتى في حال النوم والغافلة يسقط الغرض وبسقوط الغرض يسقط التكليف لا محالة والحال أنّه قد تقرّر في محلّه أنّ الأمر لا يتعلّق بشيء غير إراديّ ولا بشيء أعمّ من الإراديّ وغيره وسقوط الغرض في حال النوم والغافلة لا معنى له إلّا سقوط التكليف في تلك الحالتين والحال أنّه ليس في تلك الحالتين بعث وتكليف أصلا حتّى يمكن سقوطه.
قلت : الأمر مطلقا ـ تعبّديا كان أو توصّليّا ـ لا يكون إلّا لإيجاد الداعي والارادة إلى إتيان المأمور به حتى يمكن للمأمور أن يريده ويفعله ولكن قد يكون لتلك الإرادة دخل في الغرض وقد لا يكون وإذا لم يكن للإرادة دخل فصرف وجود الفعل كاف في حصول الغرض ويسقط التكليف قهرا لا بإرادة المكلّف وإن شئت قلت : السقوط في التوصّليّات في حال النّوم والغافلة يكون قهريّا لا بإرادة المكلّف بل يمكن أن يقال : إنّ التكليف في حالتي