المعنى بدون إيجاب ولا امتناع فى البين فإنّ الإيجاب والامتناع هما من أحكام الوجود المجعول بحسب ذاته فيصح تكليف العبيد وفي صورة المخالفة يصحّ العقاب والمؤاخذة عليه لكن لا بمناط أن له الإرادة والعلم فقط كما سمعه سيّدنا الأستاذ الأعظم من شيخه المحقّق الخراساني في درسه حيث قال : إنّ العقاب إنّما يصحّ بمناط علم المكلّف وإرادته. لكن ليس الأمر كذلك فإنّ أنواع الحيوان كلّها من ذوات الإرادة والإدراك كما قرع سمعك في أبواب المنطق في تعريف الحيوان أنّه حسّاس متحرّك بالإرادة. بل بمناط أنّ للإنسان بخصوصه ميولا ورقائق متخالفة ، ميولا إلى العوالم العلويّة وميولا إلى السّافلات والتّنعمات الحيوانيّة وله جوهرة قدسيّة عاقلة قاضية تميّز به الخبيث من الطيب والفساد من الصّلاح مع المؤيدات الخارجيّة من الكتاب السّماويّة والأنبياء والمرسلين فيكون المناط لصحّة مؤاخذة الإنسان هو هذه القوّة القاضية الحاكمة بين الحقّ والباطل.
ويدلّ على ما ذكرناه من أنّ للإنسان ميولا متخالفة من العلويّة والسفليّة قوله تعالى : «إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا. إنّا هديناه السبيل إمّا شاكرا وإمّا كفورا» والمشج بمعنى المختلط والجمع إشارة إلى كثرة الاختلاط من الرقائق والميول العلوية والسفليّة ، والله اعلم. ويؤيّده أيضا بعض الأخبار الواردة بمضمون أنّ الله تعالى خلق فى قلب كلّ إنسان نقطتين ؛ نقطة بيضاء ونقطة سوداء فإذا غلب عليه السعادة بواسطة الأفعال الحسنة والصّفات الحميدة يغلب البياض على السّواد فيصير تمام القلب أبيض وإذا غلب عليه الشّقوة ينعكس الأمر. وهذا بخلاف ساير الأنواع فإنّها فاقدة للرقائق الملكوتيّة الرّوحانيّة وليس لها إلّا الميول الحيوانيّة فليست مخلوقة من نطفة أمشاج هذا تمام الكلام في المقام مع رعاية جانب الاختصار والله العالم.
الجهة الرّابعة : بعد ما عرفت حقيقة الطّلب وأنّه ليس الّا الوجود الاعتباريّ الإنشائيّ ،
__________________
الانفعالي في التبعيّة الوجودية الزمانيّة. (المقرّر)