اللّفظيّ والتّدوينيّ وجودا آخر هو وجودها الإنشائيّ الاعتباريّ الموجود في عالم الاعتبار إلّا أنّك خبير بأنّ الإرادة هي من الصّفات الحقيقيّة ومن ذوات الإضافة ومن الواضح أنّ ما كانت حقيقته ليست إلّا هذه ، كيف يقبل الجعل والاعتبار حيث إنّ الوجود الإنشائيّ من الاعتبارات العقلائيّة والعقلاء يعتبرون هذا الوجود الاعتباريّ لما لا وجود له حقيقة كالملكيّة والزّوجيّة والرّقيّة ونظائرها فما كان له وجود حقيقيّ لا معنى لجعله واعتباره ولا فائدة لهذا الوجود الاعتباريّ قبال الوجود الحقيقيّ وهذا نظير جعل الوجود الاعتباريّ للإنسان والبقر والشّجر من الموجودات الحقيقيّة. (١)
والحقّ أنّ هذا الوجود الإنشائيّ الاعتباريّ النّاشي عن الإرادة النّفسانيّة هو الطّلب حقيقة وحقيقة الطّلب ليست إلّا هذا الاعتبار والجعل وهو مغاير البتّة مع الإرادة القائمة بالنّفس الّتي هي من الصّفات الحقيقيّة والموجودات المتأصّلة في مرتبة النّفس لا بمعنى المغايرة الّتي ادّعاها الأشاعرة في قبال المعتزلة بل بمعنى مغايرة الماهيّة الاعتباريّة والوجود الاعتباريّ الصّرف الّذي هو الطّلب مع الماهيّة المتأصّلة الّتي لها وجود حقيقيّ في النّفس بحيث يكون الأوّل معلولا للثاني وهذا الوجود الإنشائيّ الاعتباريّ الّذي هو حقيقة الطّلب ليس وجودا إنشائيّا للإرادة بوجه من الوجوه لما عرفت لكنّه نشأ عنها ويكون معلولا لها والإرادة علّة له وعلى هذا لا مجال في المقام للنّزاع المذكور أصلا إلّا أنّه لا بأس مع هذا بعد تحرير محلّ النّزاع بذكر ما استدلّ به كلّ من الفريقين على مذهبه.
أمّا ما استدلّ به الأشاعرة لإثبات الكلام النّفسيّ القديم في عداد الصّفات القديمة هو أمران :
أحدهما ما أمر الله تعالى خليله بذبح الولد مع أنّه تعالى لم يرد ذبحه حقيقة فأمره هذا كلامه اللّفظيّ الإنشائيّ وحيث لا يكون على وفقه إرادة فلا بدّ وأنّ يكون مبدؤه شيئا آخر
__________________
(١) ـ لمّا فسرّ الوجود الاعتبارى بالوجود المجازى كزيد حمار فلا بأس بإمكان جعله لكلّ واحد من تلك الاشياء الحقيقية وجودا مجازيّا كما لا بأس بوجود اعتبارىّ مجازيّ للإرادة الحقيقيّة. (المقرر)