المعلوم ان طباع الحيوانات مختلفة الاقتضاء بحسب الآثار فطبيعة العقرب اللسع وطبيعة الكلب والخنزير النهش وهكذا وهذه الحيوانات تجرى على هذه الاقتضاءات ما لم يمنعها مانع من خارج وليس لها من نفسها مانع فهى وان كانت بحسب بادئ الراى غير مقسورة على حركاتها إلّا انها تشبه المقسور لقضية ما عليه الطبيعة وعدم الرادع من النفس وعدم الاقدام بالترجيح لجانب على جانب واما طباع الانسان فهى وان كانت بحسب الاقتضاءات الذاتية كسائر تلك الحيوانات إلّا ان مفيض الخيرات افاض عليها نور العقل فصارت به تبصر وتميز الجيد من الردى والنور من الظلمة والصلاح من الفساد والخير من الشر والرشد من الغى ولما لم يكن الانسان بماهيته عارفا بالحقايق خبيرا بما عليه الافعال فى نفس الامر جاءته الدلالة والهداية وعرف بلسان الوجوب والاستحباب كل ذى مصلحة وبلسان التحريم والكراهة كل ذى مفسده وبلسان اباحة الطرفين كل متساوى الجهتين بعد ان افاض عليه الوجود بعميم الفضل وجعله قادرا مختارا على ان يفعل وان لا يفعل وبعد ان اكرمه بنور العقل فهو جل شأنه بوجوده افاض عليه الوجود وبقدرته افاض عليه القدرة وباختياره افاض عليه الاختيار وهكذا ثم هداه السبيل فاما شاكرا واما كفورا فاذا هم العبد بالمخالفة فلا بد له من تصور الفعل الذى هم بفعله له وقد يخطر فى باله بلا اختيار وبعد تصور الفعل لا بد من حصول الشوق اليه ثم بعد الشوق كان له فعلا اختيار احد الطرفين ولم يخرج عن كونه مختارا فان كانت نفسه امارة بالسوء فقد جعل الله تعالى فى قبالها العقل مانعا عما تقتضيه بحسب مادتها لو التجأ اليه الفاعل وهذا هو معنى ما ورد من ان الله تعالى خلق العقل وقال له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر ثم قال له بك اثيب وبك اعاقب فاذا وصل الى درجة الدخول فى مقدمات الفعل فالامر يعد موكول اليه وهو المختار بالوجدان فان شاء اتبع نفسه ولم يعمل عقله فاذا فقد المانع اثر المقتضى فى الجملة اثره وان اعمل عقله منعه عن اتباع نفسه فهو على هذه الحال حتى يشرف على بلوغ آخر درجات علة الفعل التى ليس ورائها الا ترتبه الذى ليس اليه لان مانعة امر خارج عنه فان كان هذا العبد اهلا للطف البارى به شاء عدمه وحال بينه وبين الفعل ولم يعمل المقتضى