بسم الله الرّحمن الرّحيم
قال الشيخ الفقيه
الإمام العالم العلم العلامة ، فريد دهره ، ووحيد عصره ، أبو عبد الله محمد المدعو
بالقاسم بن أحمد بن محمد بن جزيّ الكلبي ، رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مأواه ،
بحرمة النبي الأوّاه :
الحمد لله العزيز
الوهاب ، مالك الملوك ورب الأرباب ، هو (الَّذِي أَنْزَلَ
عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) [الكهف : ١] ، (هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) [المؤمن : ٥٤] ،
وأودعه من العلوم النافعة ، والبراهين القاطعة : غاية الحكمة وفصل الخطاب ؛ وخصصه
من الخصائص العلية ، واللطائف الخفية ، والدلائل الجلية ، والأسرار الربانية ،
العجب بكل عجب عجاب ؛ وجعله في الطبقة العليا من البيان ، حتى أعجز الإنسان والجان
، واعترف علماء أرباب اللسان بما تضمنه من الفصاحة والبراعة والبلاغة والإعراب
والإغراب ؛ ويسر حفظه في الصدور ، وضمن حفظه من التبديل والتغيير ، فلم يتغير ولا
يتغير على طول الدهور وتوالي الأحقاب ؛ وجعله قولا فصلا ، وحكما عدلا ، وآية بادية
، ومعجزة باقية : يشاهدها من شهد الوحي ومن غاب ؛ وتقوم بها الحجة للمؤمن الأوّاب
، والحجة على الكافر المرتاب ؛ وهدى الخلق بما شرع فيه من الأحكام ، وبيّن الحلال
والحرام ، وعلّم من شعائر الإسلام ، وصرّف من النواهي والأوامر والمواعظ والزواجر
، والبشارة بالثواب ، والنذارة بالعقاب ، وجعل أهل القرآن أهل الله وخاصته ،
واصطفاهم من عباده ، وأورثهم الجنة وحسن المآب. فسبحان مولانا الكريم الذي خصنا بكتابه ، وشرفنا بخطابه ،
فيا له من نعمة سابغة ، وحجة بالغة ، أوزعنا الله الكريم القيام بواجب شكرها ،
وتوفية حقها ، ومعرفة قدرها ، (وَما تَوْفِيقِي
إِلَّا بِاللهِ) [هود : ٨٨] ، (هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ،
عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ) [الرعد : ٣٠]. وصلاة الله وسلامه
، وتحياته وبركاته وإكرامه ، على من دلنا على الله ، وبلغنا رسالة الله ، وجاءنا
بالقرآن العظيم ، وبالآيات والذكر الحكيم ، وجاهد في الله حق الجهاد ، وبذل جهده
في الحرص على نجاة العباد ، وعلم ونصح وبيّن وأوضح حتى قامت الحجة ، ولاحت المحجة
، وتبين الرشد من الغيّ ، وظهر طريق الحق والصواب ، وانقشعت ظلمات الشك والارتياب.
ذلك : سيدنا ومولانا محمد النبي الأمي ، القرشي الهاشمي ، المختار من لباب اللباب
، والمصطفى من أطهر الأنساب ، وأشرف الأحساب ، الذي أيده الله بالمعجزات الظاهرة
والجنود القاهرة ، والسيوف الباترة الغضاب ، وجمع له بين شرف الدنيا والآخرة ،
وجعله قائدا للغرّ المحجلين والوجوه الناضرة ، فهو أوّل من يشفع يوم الحساب ،
وأوّل من يدخل الجنة ويقرع الباب ، فصلى الله عليه وعلى آله الطيبين ، وأصحابه
الأكرمين ، خير أهل