وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (٤٨) وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (٥٠) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى
________________________________________________________
(لا تَجْزِي) لا تغني. وشيئا مفعول به أو صفة لمصدر محذوف ، والجملة في موضع الصفة ، وحذف الضمير أي فيه (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) ليس نفي الشفاعة مطلقا ، فإنّ مذهب أهل الحق ثبوت الشفاعة لسيدنا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ لقوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [البقرة : ٢٥٥] ولقوله : (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) [يونس : ٣] ولقوله : (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) [سبأ : ٢٣] وانظر ما ورد أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يستأذن في الشفاعة فيقال له : اشفع تشفع. فكل ما ورد في القرآن من نفي الشفاعة مطلقا يحمل على هذا ؛ لأنّ المطلق يحمل على المقيد ، فليس في هذه الآيات المطلقة دليل للمعتزلة على نفي الشفاعة (عَدْلٌ) هنا فدية (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) جمع لأنّ النفس المذكورة يراد بها نفوس (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ) تقديره : اذكروا إذ نجيناكم أي : نجينا آباءكم ، وجاء الخطاب للمعاصرين للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم منهم ؛ لأنهم ذرّيتهم وعلى دينهم ومتبعون لهم ، فحكمهم كحكمهم ، وكذلك فيما بعد هذا من تعداد النعم ، لأن الإنعام على الآباء إنعام على الأبناء ، ومن ذكر مساويهم لأنّ ذرّيتهم راضون بها (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) المراد من فرعون واله ، وحذف لدلالة المعنى ، وآل فرعون هم جنوده وأشياعه وآل دينه لا قرابته خاصة ، ويقال إنّ اسمه الوليد بن مصعب ، وهو من ذرّية عمليق ، ويقال فرعون لكل من ولي مصر ، وأصل آل : ثم هل أبدلت من الهاء همزة وأبدل من الهمزة ألف.
فائدة : كل ما ذكره في هذه الصور من الأخبار معجزات للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ لأنه أخبر بها من غير تعلم (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) أي يلزمونهم به ، وهو استعارة من السوم في البيع ، وفسر سوء العذاب بقوله : (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) ولذلك لم يعطفه هنا ، وأما حيث عطفه في سورة إبراهيم فيحتمل أن يراد بسوء العذاب غير ذلك ؛ بل فيكون عطف مغايرة ، أو أراد به ذلك ، وعطف لاختلاف اللفظة ، وكان سبب قتل فرعون لأبناء بني إسرائيل (١) وقيل إنّ آل فرعون تذاكروا وعد الله لإبراهيم ؛ بأن يجعل في ذرّيته ملوكا وأنبياء فحسدوهم على ذلك ، وروي أنه وكل بالنساء رجالا يحفظون من تحمل منهنّ ، وقيل : بل وكّل على ذلك القوابل ، ولأجل هذا قيل معنى يستحيون : يفتشون الحياة ضدّ الموت (فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) فصلناه وجعلناه فرقا اثنى عشر طريقا ، على عدد الأسباط ، والباء سببية أو للمصاحبة ، والبحر المذكور هنا : هو بحر القلزم (٢) (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) هي شهر ذي القعدة وعشر ذي الحجة ، وإنما
__________________
(١). ويعرف الآن بالبحر الأحمر.
(٢). في الكلام هنا نقص ، وتكملته من الطبري : أن فرعون رأى رؤيا هالته فعبرها له الكهنة بأنه : يولد في بني إسرائيل غلام يكون هلاك فرعون على يده. فأمر عند ذلك بذبح الصبيان من مواليد بني إسرائيل كما هو مشهور.