الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)
________________________________________________________
صلىاللهعليهوآلهوسلم : «التحدّث بالنعم شكر» (١) والشكر بالجوارح هو العمل بطاعة الله وترك معاصيه ، والشكر بالقلب هو معرفة مقدار النعمة. والعلم بأنها من الله وحده ، والعلم بأنها تفضل لا باستحقاق العبد. وأعلم أن النعم التي يجب الشكر عليها لا تحصى ، ولكنها تنحصر في ثلاثة أقسام : نعم دنيوية : كالعافية والمال ، ونعم دينية : كالعلم ، والتقوى. ونعم أخروية : وهي جزاؤه بالثواب الكثير على العمل القليل في العمر القصير. والناس في الشكر على مقامين : منهم من يشكر على النعم الواصلة إليه خاصة ، ومنهم من يشكر الله عن جميع خلقه على النعم الواصلة إلى جميعهم ، والشكر على ثلاث درجات : فدرجات العوام الشكر على النعم ، ودرجة الخواص الشكر على النعم والنقم وعلى كل حال ، ودرجة خواص الخواص أن يغيب عن النعمة بمشاهدة المنعم ، قال رجل لإبراهيم بن أدهم : الفقراء إذا منعوا شكروا. وإذا أعطوا آثروا (٢) ومن فضيلة الشكر أنه من صفات الحق ، ومن صفات الخلق فإنّ من أسماء الله : الشاكر والشكور ، وقد فسرتهما في اللغة.
الفائدة الخامسة : قولنا : «الحمد لله رب العالمين» أفضل عند المحققين من لا إله إلّا الله لوجهين : أحدهما ما خرّجه النسائي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من قال لا إله إلّا الله كتب له عشرون حسنة ، ومن قال الحمد لله رب العالمين كتب له ثلاثون حسنة» والثاني : أنّ التوحيد الذي يقتضيه لا إله إلّا الله حاصل في قولك «رب العالمين» وزادت بقولك الحمد لله ، وفيه من المعاني ما قدّمنا ، وأما قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلّا الله» (٣) ، فإنما ذلك للتوحيد الذي يقتضيه ، وقد شاركتها الحمد لله رب العالمين في ذلك وزادت عليها ، وهذا المؤمن يقولها لطلب الثواب ، أما لمن دخل في الإسلام فيتعين عليه لا إله إلّا الله.
الفائدة السادسة : الرب وزنه فعل بكسر العين ثم أدغم ، ومعانيه أربعة : الإله ، والسيد ، والمالك ، والمصلح. وكلها في رب العالمين ، إلّا أن الأرجح معنى الإله : لاختصاصه لله تعالى ، كما أنّ الأرجح في العالمين : أن يراد به كل موجود سوى الله تعالى ، فيعم جميع المخلوقات.
الفائدة السابعة : ملك قراءة الجماعة بغير ألف من الملك ، وقرأ عاصم والكسائي
__________________
(١). أورده العجلوني في كشف الخفاء ص ٢٩٨ ج ١ بلفظ : «التحدث بالنعمة شكر» وعزاه لأحمد والطبراني عن النعمان بن بشير.
(٢). كذا بالأصل ، والكلام فيه نقص والحكاية معروفة عن حدّ الشكر.
(٣). هو جزء من حديث : أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت ... عزاه العجلوني في كشف الخفاء لمالك مرسلا وللترمذي من حديث عمرو بن شعيب.