مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (٥١) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (٥٣)وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (٥٤) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (٥٥) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا (٥٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (٥٧) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ
________________________________________________________
عصيان الله والكفر به (ما أَشْهَدْتُهُمْ) الضمير للشياطين على وجه التحقير لهم أو للكفار أو لجميع الخلق ، فيكون فيه ردّ على المنجمين وأهل الطبائع وسائر الطوائف المتخرصة (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) أي معينا ومعنى المضلين : الذين يضلون العباد وذلك يقوّي أن المراد الشياطين (وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ) يقول هذا للكفار على وجه التوبيخ لهم ، وأضاف تعالى الشركاء إلى نفسه على زعمهم ، وقد بين هذا بقوله : الذين زعمتم (مَوْبِقاً) أي مهلكا ، وهو اسم موضع أو مصدر من : وبق الرجل إذا هلك ، وقد قيل : إنه واد من أودية جهنم ، والضمير في بينهم للمشركين وشركائهم (فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) الظن هنا بمعنى اليقين (مَصْرِفاً) أي معدلا ينصرفون إليه (جَدَلاً) أي مخاصمة ومدافعة بالقول ويقتضي سياق الكلام ذم الجدل ، وسببها فيما قيل مجادلة النضر بن الحارث ، على أن الإنسان هنا يراد به الجنس.
(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا) الآية : معناها أن المانع للناس من الإيمان والاستغفار هو القضاء عليهم بأن يأتيهم سنة الأمم المتقدمة ، وهي الإهلاك في الدنيا ، أو يأتيهم العذاب يعني عذاب الآخرة ، ومعنى قبلا معاينة وقرئ بضمتين (١) وهو جمع قبيل : أي أنواعا من العذاب (لِيُدْحِضُوا) أي ليبطلوا (وَما أُنْذِرُوا هُزُواً) يعني العذاب وما موصلة ، والضمير محذوف تقديره : أنذروه أو مصدرية (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) هذه عقوبة على الإعراض المحكي عنهم ، أو تعليل لهم والأكنة جمع كنان وهو الغطاء ، والوقر الصمم وهما على وجه الاستعارة ، في قلة فهمهم للقرآن وعدم استجابتهم للإيمان (فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) يريد به من قضى الله أنه لا يؤمن (لَوْ يُؤاخِذُهُمْ) الضمير لكفار قريش أو لسائر الناس لقوله : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ) [النحل : ٦١] والجملة خبر المبتدأ والغفور ذو الرحمة صفتان اعترضتا بين المبتدأ والخبر توطئة لما ذكر بعد من ترك المؤاخذة ، ويحتمل أن يكون الغفور هو الخبر ، ويؤاخذهم بيان لمغفرته ورحمته ، والأول أظهر (بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ) قيل :
__________________
(١). قرأ عاصم وحمزة والكسائي : قبلا. وقرأ الباقون : قبلا.