مِنَ الْغَاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (١٧٧) مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (١٧٨) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ
________________________________________________________
موسى عليهالسلام إلى ملك مدين داعيا إلى الله ، فرشاه الملك وأعطاه الملك على أن يترك دين موسى ويتابع الملك على دينه ففعل ، وأضل الناس بذلك وقال ابن عباس : هو رجل من الكنعانيين اسمه بلعم بن باعوراء كان عنده اسم الله الأعظم ، فلما أراد موسى قتال الكنعانيين وهم الجبارون : سألوا من بلعم أن يدعو باسم الله الأعظم على موسى وعسكره فأبى ، فألحوا عليه حتى دعا عليه ألا يدخل المدينة ودعا عليه موسى فالآيات التي أعطيها على هذا القول : هي اسم الله الأعظم وعلى قول ابن مسعود هي ما علمه موسى من الشريعة ، وقيل : كان عنده من صحف إبراهيم ، وقال عبد الله بن عمرو بن العاصي : هو أمية بن أبي الصلت ، وكان قد أوتي علما وحكمة وأراد أن يسلم قبل غزوة بدر ، ثم رجع عن ذلك ومات كافرا ، وفيه قال النبي صلىاللهعليهوسلم كاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم ، فالآية على هذا ما كان عنده من العلم ، والانسلاخ عبارة عن البعد والانفصال منها كالانسلاخ من الثياب والجلد (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) أي لرفعنا منزلته بالآيات التي كانت عنده (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) عبارة عن فعله لما سقطت به منزلته عند الله (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ) أي صفته كصفة الكلب ، وذلك غاية في الخسة والرداءة (إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) اللهث هو تنفس بسرعة وتحريك أعضاء الفم وخروج اللسان ، وأكثر ما يعتري ذلك الحيوانات مع الحر والتعب ، وهي حالة دائمة للكلب ، ومعنى إن تحمل عليه إن تفعل معه ما يشق عليه من طرد أو غيره أو تتركه دون أن تحمل عليه ، فهو يلهث على كل حال ، ووجه تشبيه ذلك الرجل به أنه إن وعظته فهو ضال وإن لم تعظه فهو ضال ، فضلالته على كل حال كما أنّ لهث الكلب على كل حال. وقيل : إنّ ذلك الرجل خرج لسانه على صدره فصار مثل الكلب في صورته ولهثه حقيقة (ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي صفة المكذبين كصفة الكلب في لهثه ، وكصفة الرجل المشبه به ؛ لأنهم إن أنذروا لم يهتدوا ، وإن تركوا لم يهتدوا ، وشبههم بالرجل في أنهم رأوا الآيات والمعجزات فلم تنفعهم ، كما أنّ الرجل لم ينفعه ما كان عنده من الآيات (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ) الآية : قدم هذا المفعول للاختصاص والحصر (كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) هم الذين علم الله أنهم يدخلون النار بكفرهم ، فأخبر أنه خلقهم لذلك كما جاء في قوله : هؤلاء للجنة ولا أبالي ، وهؤلاء للنار ولا أبالي (لا يُبْصِرُونَ بِها) ليس المعنى نفي السمع والبصر جملة ،