وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦) وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَّمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (٨٧) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (٨٨) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (٨٩) وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ (٩٠) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٩١) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (٩٢)
________________________________________________________
ويوعدونهم إن اتبعوه (وَتَصُدُّونَ) أي تمنعون الناس عن سبيل الله وهو الإيمان ، والضمير في به للصراط أو لله (تَبْغُونَها عِوَجاً) ذكر في [آل عمران : ٩٩] (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) أي ليكونن أحد الأمرين : إما إخراجهم ، أو عودهم إلى ملة الكفر ، فإن قيل : إن العود إلى الشيء يقتضي أنه قد كان فعل قبل ذلك فيقتضي قولهم : لتعودن في ملتنا أن شعيبا ومن كان معه كانوا أولا على ملة قومهم ، ثم خرجوا منها فطلب قومهم أن يعودوا إليها وذلك محال ، فإن الأنبياء معصومون من الكفر قبل النبوة وبعدها فالجواب من وجهين : أحدهما قاله ابن عطية وهو أن عاد قد تكون بمعنى صار ، فلا يقتضي تقدم ذلك الحال الذي صار إليه ، والثاني : قاله الزمخشري وهو أن المراد بذلك الذين آمنوا بشعيب دون شعيب ، وإنما أدخلوه في الخطاب معهم بذلك كما أدخلوه في الخطاب معهم في قولهم : لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك ، فغلبوا في الخطاب بالعود الجماعة على الواحد ، وبمثل ذلك يجاب عن قوله : إن عدنا في ملتكم ، وما يكون لنا أن نعود فيها (قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) الهمزة للاستفهام والإنكار ، والواو للحال ، تقديره : أنعود في ملتكم ويكون لنا أن نعود فيها ونحن كارهون (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ) أي إن عندنا فيها فقد وقعنا في أمر عظيم من الافتراء على الله ، وذلك تبرأ من العود فيها (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) هذا استسلام لقضاء الله على وجه التأدب مع الله وإسناد الأمور إليه ، وذلك أنه لما تبرأ من ملتهم : أخبر أن الله يحكم عليهم بما يشاء من عود وتركه فإن القلوب بيده يقلبها كيف يشاء ، فإن قلت : إن ذلك يصح في حق قومه ، وأما في حق نفسه فلا فإنه معصوم من الكفر؟ فالجواب : أنه قال ذلك تواضعا وتأدبا مع الله تعالى ، واستسلاما لأمره كقول نبينا صلىاللهعليهوسلم «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (١) مع أنه قد علم أنه يثبته (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا) أي احكم (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) أي كأن لم يقيموا في ديارهم
__________________
(١). رواه أحمد عن أنس ج ٣ ص ١٤١.