يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣) وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
________________________________________________________
عليه واله وسلّم : أي الأعمال أفضل؟ قال : ذكر الله ، قيل الذكر أفضل أم الجهاد في سبيل الله؟ فقال : لو ضرب المجاهد بسيفه في الكفار حتى ينقطع سيفه ويختضب دما : لكان الذاكر أفضل منه (١). الوجه الثاني : أنّ الله تعالى حيث ما أمر بالذكر ، أو أثنى على الذكر : اشترط فيه الكثرة ، فقال : اذكروا الله ذكرا كثيرا ، والذاكرين الله كثيرا ، ولم يشترط ذلك في سائر الأعمال الوجه الثالث : أنّ للذكر مزية هي له خاصة وليست لغيره : وهي الحضور في الحضرة العلية ، والوصول إلى القرب بالذي عبر عنه ما ورد في الحديث من المجالسة والمعية ، فإنّ الله تعالى يقول : أنا جليس من ذكرني (٢) ، ويقول : «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني» متفق عليه من حديث أبي هريرة. وفي رواية البيهقي : وأنا معه حين يذكرني.
وللناس في المقصد بالذكر مقامان : فمقصد العامة اكتساب الأجور ، ومقصد الخاصة القرب والحضور ، وما بين المقامين بون بعيد. فكم بين من يأخذ أجره وهو من وراء حجاب ، وبين من يقرب حتى يكون من خواص الأحباب.
واعلم أن الذكر على أنواع كثيرة : فمنها التهليل ، والتسبيح ، والتكبير ، والحمد ، والحوقلة ، والحسبلة ، وذكر كل اسم من أسماء الله تعالى ، والصلاة على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والاستغفار ، وغير ذلك. ولكل ذكر خاصيته وثمرته. وأما التهليل : فثمرته التوحيد : أعني التوحيد الخاص فإنّ التوحيد العام حاصل لكل مؤمن ، وأما التكبير : فثمرته التعظيم والإجلال لذي الجلال ، وأما الحمد والأسماء التي معناها الإحسان والرحمة كالرحمن الرحيم والكريم والغفار وشبه ذلك : فثمرتها ثلاث مقامات ، وهي الشكر ، وقوة الرجاء ، والمحبة. فإنّ المحسن محبوب لا محالة. وأما الحوقلة والحسبلة : فثمرتها التوكل على الله والتفويض إلى الله ، والثقة بالله : وأما الأسماء التي معناها الاطلاع والإدراك كالعليم والسميع والبصير والقريب وشبه ذلك : فثمرتها المراقبة. وأما الصلاة على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : فثمرتها شدّة المحبة فيه ، والمحافظة على اتباع سنته ، وأما الاستغفار : فثمرته الاستقامة على التقوى ، والمحافظة على شروط التوبة مع إنكار القلب بسبب الذنوب المتقدّمة.
ثم إنّ ثمرة الذكر التي تجمع الأسماء والصفات مجموعة في الذكر الفرد وهو قولنا : الله ، الله. فهذا هو الغاية وإليه المنتهى (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) أي بمعونته (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ) قيل إنها نزلت في الشهداء المقتولين
__________________
(١). رواه الترمذي في كتاب الدعاء ص ٤٥٨ ج ٥ عن أبي سعيد الخدري وأوله : أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة ؛ قال : الذاكرون الله كثيرا والذاكرات ، قلت ومن الغازين في سبيل الله؟ قال لو ضرب».
(٢). قال عنه العجلوني في كشف الخفاء : رواه البيهقي في الشعب عن أبي بن كعب أوله : قال موسى عليهالسلام يا رب : أقريب أنت فأناجيك أو بعيد فأناديك؟ فقيل له يا موسى : أنا ...».