المشاورة استخراج ما عندهم من العلم بالأصلح بتلاحق الافكار بناء على جرى العادة ولا يعلم ما فى الواقع من الغيب الا الله تعالى ـ وقد يتخبط العقول فى النظر وقد يفعل الله تعالى على خرق العادة فلا وجه للاعتماد على الآراء ـ والتوكل ان يلتجىء الى الله خاصة ويطلب منه ان يجعل عاقبة سعيه خيرا ويحسن الظن به فى ذلك قيل التوكل ان لا تعصى الله من أجل رزقك وهذا القول مستلزم للالتجاء ولا التجاء فى المعصية وقيل معناه ان لا يطلب لنفسك ناصرا غير الله ولا لرزقك خازنا غيره ولا لعملك شاهدا غيره ـ قلت وتخصيص الالتجاء والطلب منه تعالى لا يتصور بدون هذه الأمور عن ابن عباس قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يدخلون الجنة سبعون الفا من أمتي بغير حساب قيل يا رسول الله من هم قال هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون متفق عليه وكذا روى البغوي عن عمران بن حصين ـ وعن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لو انكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو اخماصا وتروح بطانا رواه الترمذي وابن ماجة ـ فان قيل الظاهر من حديث ابن عباس ان التوكل ترك التشبث بالأسباب العادية كالاكتواء والاستراق ـ قلت لابل ترك الاعتماد على الأسباب الا ترى الاستيشار من باب التشبث بالأسباب فالله سبحانه امر بالاستشارة ثم امر بترك الاعتماد عليه وقوله عليه الصلاة والسلام فى الحديث وعلى ربهم يتوكلون ليس تفسيرا لقوله لا يكتوون ولا يسترقون فان العطف يقتضى المغائرة ـ ولعل ذلك السبعون الف لا يتشبّثون بالأسباب غالبا ـ او المراد ترك التشبث ببعض الأسباب المكروهة كيف وتشبث الأسباب من لوازم هذه النشئة فان الاكل والشرب من اسباب الحيوة عادة والصلاة والصوم من اسباب دخول الجنة غالبا والواجب إتيانها (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (١٥٩) عليه وكونه محبوبا لله تعالى هو المقصد الأسنى ـ وايضا التوكل على الله يفضى الى ان ينصرهم الله ويهديهم الى الصلاح قال الله تعالى (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) وقال فى الحديث القدسي انا عند ظن عبدى بي. (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) أحد إذ يستحيل ان يكون المنصور من الله مغلوبا فانه يستلزم عجزه تعالى عن ذلك علوا كبيرا (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ) ومنعكم نصره (فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ) يعنى لا أحد ينصركم لان افعال العباد مخلوقة لله تعالى فلا يتصور حقيقة النصر من أحد على تقدير خذ لانه منه تعالى (مِنْ بَعْدِهِ) اى من بعد خذ لانه او المعنى بعد ما جاوزتم الله فى الاستنصار لا يتصور النصر من غيره ـ فهذه الاية برهان على وجوب التوكل على الله عقلا بعد ما ثبت