والثّلاثيّة والأوليين من الرّباعيّة من هذا القبيل فإنّ صحّة الصّلاة وإن كانت مرتبة على الحفظ إلاّ أنّ الظّاهر إن اعتباره ليس من حيث كونه صفة خاصّة على ما يأتي ولذا تقوم البيّنة مقامه بل من حيث كشفه عن متعلّقه مع اعتبار مطابقته للواقع فالموضوع هو الواقع المنكشف لا مطلق الانكشاف فبانتفاء أحد القيدين ينتفي الحكم ولذا جعله المصنف رحمهالله مثالا لما كان القطع فيه معتبرا من باب الصّفة الخاصّة على الفرض والتّقدير لا على وجه الجزم وكيف كان فلو صلّى معتقدا بعدد الرّكعات ثمّ ظهر الخلاف يحكم ببطلانها وبالجملة أنّ الثّمرة المذكورة أنّما تتمّ مع فرض العلم جزءا من الموضوع على وجه مطلق الانكشاف لا الانكشاف على الوجه المذكور هكذا ذكره سيّدنا الأستاذ دام علاه في مجلس الدّرس أقول ما ذكره متجه بالنّسبة إلى الشّرائط دون الموانع إذ الشّرط لو كان واقعيّا فصلّى معتقدا لتحقّقه ثمّ ظهر الخلاف يحكم ببطلانها وكذلك لو كان شرطا علميّا على الوجه المذكور كما عرفت من مثال حفظ الرّكعات ونحوه شرطيّة العلم بكون اللّباس من المذكّى بخلاف الموانع فإنّه لو صلى معتقدا بطهارة بدنه ثمّ ظهرت نجاسته فإنّه إن قلنا بكون العلم بها طريقا محضا وأنّ النّجاسة مانعة دافعيّة يحكم ببطلانها لوجود المانع الواقعي بخلاف ما لو قلنا بكون العلم بها جزء موضوع من باب الكشف على الوجه المتقدّم فإنّه حينئذ يحكم بصحّتها لفقد المانع حينئذ حقيقة وهو العلم بالنّجاسة الواقعيّة ومن هذا التّفصيل تظهر الثّمرة بين شقي هذا القسم وكذا بينهما وبين القسم الأوّل لمّا عرفت أن مقتضى الأوّل هو بطلان الصّلاة مع ظهور الخلاف مطلقا ومقتضى الشّق الأوّل من هذا القسم هو صحّتها مطلقا ومقتضى الشّق الثّاني منه بطلانها في الشّرائط دون الموانع وكيف كان فقد تلخص ممّا ذكرنا أنّ القطع الّذي يؤخذ جزء موضوع من الحكم من حيث الكشف على قسمين أيضا أحدهما ما كان الموضوع فيه مطلق الانكشاف فيشمل الجهل المركّب أيضا والآخر ما كان الموضوع فيه نفس الواقع مع صفة الانكشاف فيختصّ بالقطع المطابق للواقع وحينئذ تظهر الثّمرة بين هذا القسم وبين القسم الأوّل الّذي أخذ العلم فيه من باب الطّريقية المحضة مضافا إلى ما عرفت في قيام الأصول التعبّدية مقام العلم لصحّة قيامها مقامه على الأوّل بخلافه على هذا القسم في وجه كما سنشير إليه وثالثة يجعل الشّارع الحكم الواقعي محمولا على الموضوع المعلوم ولكن لا من حيث كشفه عن متعلّقه بل من حيث كونه صفة خاصّة للموضوع كسائر أوصافه مثل السّواد والبياض المأخوذين في استحباب الصّلاة في الثّوب الأبيض وكراهتها في الأسود ومثل السّفر والحضر في القصر والإتمام ونحوها من القيود المأخوذة في موضوعات الأحكام فيكون العلم حينئذ جزءا من الموضوع الصّرف وينتفي الحكم في الواقع بانتفائه ولا تقوم الأمارات الشّرعيّة مقامه نظرا إلى عموم أدلّتها لما عرفت من أن مقتضى عموم تلك الأدلّة هو تنزيل ما قامت عليه الأمارة منزلة نفس الواقع المنكشف حقيقة والفرض هنا ترتب الحكم في الواقع على الموضوع الواقعي المعلوم من حيث كون العلم صفة خاصّة له لا من حيث كونه كاشفا فتعدية حكم مثل هذا الموضوع إلى الموضوع المأخوذ من حيث انكشافه للمكلّف يشبه القياس لتغاير الموضوعين نعم لا يمتنع أن يقوم دليل خاصّ على تنزيل مؤدّى أمارة بمنزلة الموضوع المعلوم من حيث كون العلم فيه صفة خاصّة فيعطى حكمه إيّاه ولكن هذا من قبيل إعطاء حكم موضوع آخر مباين له تنزيلا له منزلته بحكم الشّارع مثل إعطاء حكم الماء للتّراب ولكن هذا لا يكون من الاندراج الموضوعي في شيء ولا يكفي فيه عموم الدّليل الدّال على اعتبار الأمارة على ما هو كذلك في القسمين الأولين بل يتّبع فيه خصوص الدّليل الدّالّ على ذلك وممّا ذكرنا تظهر صحّة قيام جميع الأمارات المعتبرة من باب الكشف والحكاية عن الواقع مثل خبر الواحد والبيّنة ونحوهما بعموم أدلتها مقام العلم على القسمين الأولين ولا إشكال في ذلك وكذلك لا إشكال في قيام بعض الأصول مثل أصالة البراءة والاستصحاب مقامه على القسمين إذا قلنا باعتبارهما من باب الظّنّ لكونهما حينئذ من جملة الأمارات وأمّا إذا قلنا باعتبارهما من باب التعبّد الشّرعي نظرا إلى إثبات اعتبارهما بالأخبار فلا إشكال أيضا في عدم قيام البراءة مقام العلم على القسمين الأولين فضلا عن الثّالث إذ مقتضاها بناء على اعتبارها من باب العقل وكذا الأخبار أيضا على ما هو التحقيق من كون مؤدّاها مؤدّى حكم العقل هو مجرّد عدم ترتب العقاب على الفعل المشتبه الحكم فهي لا تدلّ على إباحة هذا الفعل بمعناها الأخصّ فضلا عن دلالتها على ثبوت الحكم المجعول للفعل في الواقع من حيث هو أو من حيث الانكشاف في مقام الشّكّ فهي لا تصلح للقيام مقام العلم بعموم أدلّتها على القسمين الأوّلين وأمّا قيام الاستصحاب مقام العلم على القسم الأوّل فلا إشكال فيه كما ستعرفه وأمّا قيامه مقامه على وجهي القسم الثّاني ففيه إشكال فإن الأصول العمليّة أنّما اعتبرت من باب التعبّد في مقام الشّكّ لا من باب الكشف والحكاية عن الواقع فليست مدلولاتها منزلة منزلة الواقع المنكشف حقيقة حتّى يترتّب عليها الأحكام المرتّبة على الموضوع الواقعي من حيث انكشافه للمكلّف فعموم أدلّتها غير ناهض لإثبات ذلك وتوضيح ذلك أنّ الشّارع إذا جعل أمارة بأن يقول جعلت البيّنة حجّة فذلك بتصوّر على وجهين أحدهما أن يرجع جعله إلى جعل مؤدّى الأمارة بأن يجعل ما قامت عليه البيّنة بمنزلة نفس الواقع بإلغاء احتمال مخالفة مؤدّى الأمارة للواقع وثانيهما أن يرجع إلى جعل الطّريق بأن تنزل البيّنة منزلة العلم في كشفه عن الواقع بإلغاء احتمال الخلاف فيكون ما قامت عليه البيّنة نفس الواقع بجعل الشّارع فإذا قامت البيّنة على كون مائع خمرا وفرضنا أنّ الحرمة والنّجاسة رتبتا على الخمر المنكشف من حيث انكشافه لا من حيث هو فإن قلنا باعتبار البيّنة على الوجه الأوّل فلا يحكم حينئذ بحرمة المائع الخارجي ولا بنجاسته إذ الفرض أنّهما مترتّبان في الواقع على الخمر المنكشف لا عليه