سبحانه على ترك المتابعة له ومن هنا ترى حكم جماعة ومنهم الشّيخ بأنّ الأصل في الأشياء هو الخطر لو لا ورود الشّرع على الإباحة فيها مثل قوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وعن السّيّد أبي المكارم ابن زهرة في الغنية أنّ العقل يمنع من الإقدام على ما لا يؤمن من كونه مفسدة انتهى وعن المحقّق في المعارج أنّ الظنّ قد يخطئ فلا يعمل به إلاّ مع وجود دلالة تدلّ عليه انتهى وعن التّذكرة لا يجوز التّعويل على الظنّ مع القدرة على العلم لقضاء العقل بقبح سلوك طريق لا يؤمن معه الضّرر مع التّمكن عن سلوك طريق متيقّن معه إلا من انتهى وعن الوحيد البهبهاني أنّ ظنّ الرّجل أمر وحكم الله تعالى أمر آخر وكونه هو هو أو عوضه يحتاج إلى دليل حتّى يجعل هو إيّاه أو عوضه أيضا لأنّ العقل يأبى عن الاتكال على مجرّد الظنّ في الدّماء والفروج والأنساب والأموال انتهى وبالجملة أنّ ظاهرهم عدم تجويز العمل بالظّنّ مع التّمكن من العلم أو طريق الاحتياط فإن قلت إنّ وجوب دفع الضّرر المقطوع به أو المظنون وإن كان متجها إلاّ أنّ دعوى وجوب دفع الضّرر المحتمل غير مسلمة كيف وبناء العقلاء على عدم الاعتناء به ولذا يسافرون إلى البلاد النّائية ويركبون السّفن في البحار الغامرة مع احتمال التعب في الطّريق وعليه بناء العلماء أيضا في باب السّفر والتّيمّم ولذا لا يفتون بوجوب الإتمام والصّوم في السّفر المحتمل للضّرر وبوجوب التّيمّم مع احتمال الضّرر في الوضوء أو الغسل قلت إنّ من تتبع العقل وطريقة العقلاء يجد حقيّة ما ادعيناه من وجوب التحرز عن الضّرر المحتمل بل الموهوم كما هو محلّ الكلام ولذا لو أخبر صبيّ بوجود سبع في البيت أو بكون إناء مسموما لا يقدم عاقل على دخول البيت وشرب الإناء وإن كان مظنون الكذب في إخباره وأمّا ما ترى من إقدامهم على الضّرر المحتمل في بعض الموارد فهو إمّا لعدم مبالاتهم بحكم العقل أو لأجل معارضة الضّرر المحتمل بما هو أهمّ منه في نظرهم من المنافع المقصودة لهم كما في سفر التّجارة إلى بلاد بعيدة المسافة بل الحقّ أنّ عدم اعتنائهم بالضّرر المحتمل في أمور الدّنيا أنّما هو لأجل المعارضة وعدم إجداء ترك بعض الأمور الّذي يحتمل فيه الضّرر واختيار أمر آخر لاحتمال الضّرر في جميعها من وجوه شتى فإذا ترك السّفر لاحتمال العتب فيه وأقام في بلده يحتمل الضّرر فيه أيضا من جهة احتمال انهدام بيت أو سقوط حائط أو ضرب عدوّ أو نحو ذلك فحيث مسّت حاجة العقلاء إلى اختيار قانون ينتظم به أمر معاشهم فبنوا في أمور الدّنيا على ظنّ السّلامة وعدم الاعتناء باحتمال الضّرر إلاّ من باب الاحتياط بخلاف الضّرر الأخروي المحتمل في المقام لعدم المعارض له بالفرض فإن قلت كيف تدعي عدم المعارض فيه والعمل بالظن يحتمل فيه الوجوب والحرمة لفتوى الجملة بكلّ منهما ففي كلّ من العمل به وتركه احتمال العقاب قلت توضيح الحال في ذلك يحتاج إلى بيان أقسام الضّرر فنقول إنّ الضّرر إمّا أن يكون له معارض أو لا وعلى الأول إمّا أن يكون معارضة مساويا له أو أقوى منه إمّا بحسب الرّتبة كالظّنّ بتلف النّفس في سلوك طريق والظّن بتلف المال في سلوك طريق آخر وإمّا بحسب الاعتقاد كما إذا كان تلف المال في سلوك أحد الطّريقين مقطوعا به وفي الآخر مظنونا أو كان في أحدهما مظنونا بظنّ قويّ وفي الآخر بظنّ ضعيف أو في أحدهما راجحا وفي الآخر محتملا وقد يجتمع الجهتان وإمّا أن يكون معارضة أضعف منه وفي غير صورة المساواة أعني صورتي قوّة المعارض وضعفه لا يخلو إمّا أن تكون القوّة من جانب أو من الجانبين بأن كانت لكلّ منهما قوّة من جهة وضعف من جهة أخرى فتكون لغير صورة المساواة أربعة أقسام ومع ضمّ صورة المساواة إليها تصير الأقسام خمسة وعلى التقادير الخمسة إمّا أن يكون الضّرران المتعارضان دينويين أو أخرويّين أو بالاختلاف فترتقي الأقسام إلى خمسة عشر قسما وإذا انضمّت إليها صورة عدم المعارضة تصير ستّة عشر قسما وأمّا أحكام هذه الأقسام فلا إشكال في وجوب الاحتراز عن ضرر لا معارض له لاستقلال العقل به وأمّا ما له معارض مساو بحسب الرّتبة أو الاعتقاد ومن حيث كونهما دنيويين أو أخرويين فلا إشكال في ثبوت التّخيير حينئذ وأمّا إذا كان أحدهما أقوى مطلقا فلا ريب في تقديمه على معارضه وأمّا إذا كان كلّ منهما أقوى من جهة كما إذا اختلفا بحسب الرّتبة والاعتقاد أو الأنظار والأحوال كما إذا ظنّ بهلاك النّفس في طريق وقطع بتلف المال في آخر أو ظنّ اللئيم زوال الجاه في طريق والمال في آخر لأنّ الجاه عند أهله وإن كان أقوى رتبة إلا أنّ المال أعظم منه في نظر اللئيم أو ظنّ تلف مال كثير في طريق مع الاستغناء عنه ومال قليل في آخر مع الحاجة إليه فليس هنا قانون كلّي يتبع بل يختلف باختلاف المقامات والأحوال هذا كلّه في الضّررين الدّنيويين أو الأخرويين وأمّا إذا اختلفا في ذلك فربّما يقال بتقديم الأخروي كما يشير إليه قوله عليهالسلام الموت أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النّار والتّحقيق أنّ الضّرر الأخروي وإن كان مقطوعا به أو مظنونا بظنّ معتبر شرعا أو كان مشكوكا فيه يقدم جانب الدّنيوي وإن كان مشكوكا فيه لأنّ الظّنّ غير المعتبر كالشّك في الرّتبة والاعتبار والضّرر الدّنيوي مستلزم للأخروي لكونه منهيّا عنه شرعا فيكون أولى بالمراعاة هذا هو الكلام في الأقسام المتقدّمة بحسب الكبرى وقد تقع الشّبهة في بعض صغرياتها كجواز شرب الخمر للتداوي وعدمه لأنّ في تقديم الضّرر الأخروي أو الدّنيوي في مثله إشكالا ينشأ من معارضة قاعدة الضّرر مع ما دلّ على حرمة شرب الخمر والأقرب فيه تقديم جانب الدّنيوي لحكومة القاعدة على إطلاقات أدلّة سائر التّكاليف ومع تسليم المعارضة يرجع في مورد المتعارض إلى أصالة الإباحة لكون النّسبة بينهما عموما من وجه لا يقال إنّ استصحاب الحرمة بعد تعارض الأدلّة من الجانبين حاكم على أصالة الإباحة لأنّا نقول إنّ استصحاب الحرمة معارض مع استصحاب حرمة الإقدام على الضّرر فتبقى أصالة الإباحة سليمة من المعارض نعم في بعض الأخبار أنّه لا شفاء في الحرام وهو وإن دلّ بظاهره على عدم كون ترك الشّرب للمريض تعريضا للنّفس على التّهلكة وحينئذ يبقى الضّرر الأخروي