كما هو ظاهر العلماء قدسسرهم وهو الأقوى لما أشار إليه المصنف رحمهالله وحاصله أنّ الترجيح بمخالفة العامة فرع إمكان حمل الموافق لهم على التقية وهو ممتنع في المقام لأن التقية في الكتاب الموافق للخبر الموافق لهم غير متصوّرة فكيف يحمل عليها وكون المخالفة من أمارات الرّشد إنّما يتم على تقدير كون المخالفة من مرجحات المضمون وهو خلاف ظاهر العلماء لأن ظاهرهم كونها من مرجحات وجه الصّدور بل هو خلاف مفروض كلام المصنف رحمهالله وإن تأيد بمعظم أخبار الباب الثالث التخيير في الترجيح بينهما لفرض تعارضهما وعدم ثبوت تقديم التّرجيح بإحداهما وقد عرفت ضعفه (قوله) لأن الأمارة المستقلة إلخ فإن قلت إن عدم مقاومة الأمارة غير المعتبرة لظاهر الكتاب لا يستلزم تقديم الترجيح بموافقة الكتاب على الترجيح بسائر المرجحات الخارجية لأنّ الترجيح بموافقة الكتاب إنما هو لكون مضمون الخبر الموافق له أقرب مطابقة للواقع من الآخر لكون موافقة الكتاب من المرجحات المضمونية وربّما كان سائر الأمور الخارجية أقوى ظنا من ظاهر الكتاب وكون ظاهره معتبرا شرعا دون ما يعارضه من الأمور الخارجيّة إنّما يثمر في حجيتها في أنفسهما وإثبات الأحكام الشرعية بهما لا في مقام الترجيح غير المبتنى على اعتبار المرجح في نفسه شرعا قلت إنّ الخبر المخالف للكتاب وإن تأيّد مضمونه بأيّ ظنّ فرض من الظنون غير المعتبرة إلاّ أنّه لا يبلغ مرتبة الموافق للكتاب لأنّ الحاصل من الكتاب وإن فرض كونه من أضعف الظنون إلاّ أنّه بعد فرض اعتباره شرعا كان كالقطع وبعد ملاحظة القطع بسنده واعتبار ظاهره كان الموافق له أقرب إلى الواقع شرعا من المخالف له لا محالة(قوله) من حيث إن الصورة الثالثة إلخ هذا بيان للإشكال الثاني الوارد على ما أطلق فيه الترجيح بموافقة الكتاب (قوله) إن ظاهر تلك الأخبار إلخ الّتي أطلق فيها الترجيح بموافقة الكتاب (قوله) ولا بعد في تقديمها على موافقة الكتاب إلخ لأنّ الخبر الموافق للمشهور إن كان موافقا للشهرة بحسب الفتوى يسقط الخبر المخالف لها عن درجة الاعتبار وإن كان موافقا للشهرة بحسب الرّواية فإن كانت الشهرة حينئذ بالغة حد الإجماع بأن كان جميع الرّوات أو إلاّ الشاذّ منهم راوين لأحد الخبرين دون الآخر يخرج الآخر حينئذ من الحجية أيضا لأنّ إجماعهم على نقل خبر يكشف عن كونه معمولا به عندهم وإلاّ فلا داعي إلى إجماعهم على نقله من دون شهرة العمل به وعلى التقديرين يقدم التّرجيح بموافقة الشّهرة على الترجيح بموافقة الكتاب وإن كان ذلك بمعنى خروج الموافق له من درجة الحجيّة لأجل مخالفته للشّهرة نعم العلم بشهرة الرواية على ما عرفت متعذر في أمثال زماننا لانتهاء الأخبار المدونة في الكتب المعروفة المعتبرة إلى المشايخ الثلاثة غالبا وإن كانت الشّهرة غير بالغة إلى حد الإجماع بأن كان أحد الخبرين معروفا بين جماعة من الرّوات قلّوا أو كثروا وكان الآخر مختصا براو واحد فحينئذ وإن أمكن أن يقال إنّ غاية ما تفيده رواية الجماعة حصول قوة في سندها وهي لا تقاوم قطعية سند الكتاب الموافق للرّواية الأخرى فيقدم الترجيح بموافقة الكتاب على الترجيح بموافقة الشّهرة إلا أنّ المراد بالشهرة في المقبولة على ما حقّقه المصنف رحمهالله في مسألة حجية الشّهرة اشتهار الخبر بين الرّوات بحيث يعرفه كل أحد لا المعنى المذكور ثمّ إنّ المصنف رحمهالله مع ذلك كلّه لم يجزم بتقديم التّرجيح بالشهرة على التّرجيح بموافقة الكتاب ولعلّ الوجه فيه أنّ ظاهر المقبولة هو التّرجيح بموافقة شهرة الرّواية من حيث هي مع قطع النّظر عن كشفها عن شهرة الفتوى بمضمون الخبر المشهور بل مع فرض عدمه كما يدل عليه فرض كلّ من الخبرين مشهورين وحينئذ فغاية ما تدل عليه الشهرة هي قوة الظنّ بصدور الخبر المشهور وهي لا تقاوم القطع بسند الكتاب ثمّ إن الإشكال المذكور إنّما يرد لو كان الترتيب بين المرجحات المذكورة في المقبولة أو غيرها معتبرا في مقام الترجيح كما هو الظاهر على القول بالاقتصار على المرجحات المنصوصة وأمّا على المختار وفاقا للمصنف رحمهالله كما تقدم سابقا من كون المقصود منها الترجيح بكل مزية في أحد الخبرين مفقودة في الآخر من دون ملاحظة ترتيب ولا عدد خاص في المرجحات فلا وقع لهذا الإشكال من أصله (قوله) ما إذا فقد الدّليل إلخ فلا يكون الأصل مرجحا(قوله) والمفروض أنّ الأخبار إلخ فلا يكون الأصل مرجعا أيضا(قوله) وممّا ذكر يظهر فساد ما ذكره إلخ أمّا ظهور فساد الأوّل فلما تقدّم من حكومة ما دل على اعتبار الخبر المخالف على عموم ما دلّ على اعتبار الأصول فلا تعارض بينهما فعلى كلّ تقدير ليس هنا إلا تخصيص واحد وأمّا الثّاني فإنّه مع فرض كون الخبر الموافق مفيدا للظنّ بالحكم الواقعي والأصل للظنّ بالحكم الظاهري لا يكون مضمون الخبر مؤيّدا بالأصل لاختلاف مرتبتهما فلا يترجّح به ولذا جعل الأصول من المرجحات التي لا تكون مؤيّدة لمضمون الخبر الموافق وجعل الكلام فيها على تقدير كون مضمونها هو الحكم الظّاهري دون الواقعي وأمّا الثالث فإنّه مع تساقط الخبرين لا يكون الأصل مرجحا بل مرجعا مع أنّك قد عرفت ما في كونه مرجعا أيضا مضافا إلى استفاضة الأخبار بالتخيير كما تقدّم (قوله) وهو أنهم اختلفوا في تقديم المقرّر إلخ لعلّ ذكر هذا بعد بيان حكم الترجيح بالأصل وعدمه من باب ذكر الخاص بعد العام لكون المراد بالأصل هنا ما كان عقليّا لا شرعيّا كما سيصرح به والوجه في تخصيصه بالذكر كونه محلّ نزاع برأسه ويحتمل كون المراد بالأصل هنا أعمّ من الأصول العمليّة واللفظية لكن المتيقن من كلماتهم هي الأولى وسمى الموافق مقرّرا لتقريره الأصل على مقتضاه والمخالف بالنّاقل لنقله الحكم عن مقتضى الأصل وقد حكى بعض مشايخنا هنا أقوالا ستة أحدها تقديم المقرّر وهو عزيز القائل وثانيها تقديم النّاقل وهو المشهور وثالثها التوقف ورابعها التفصيل بينما كان الخبران نبويين وكانا معلومي التّاريخ فيقدم المتأخر مطلقا سواء كان ناقلا أم مقررا وبينما كانا مجهولي التاريخ أو كانا صادرين عن أحد الأئمّة عليهمالسلام علم تاريخهما أو لا فقيل بالتوقف وقيل بتقديم النّاقل وقيل بالعكس والتحقيق عدم الترجيح في المقام لا بموافقة الأصل ولا بمخالفته سواء قلنا باعتبار الأصول من باب التعبّد كما هو الحق أم من باب الظنّ أمّا على الأوّل فأولا للأصل لأنّ الترجيح كأصل الحجيّة يحتاج إثباته إلى دليل وعدمه كاف في إثبات عدم جواز الترجيح بالأصول لما ستعرف من ضعف أدلّة المثبتين وثانيا أنّ الأصول غير جارية في مقابل