ويكون المحصل حينئذ وجوب إكرام من عدا الأصوليين من العلماء ولا يجب إكرام الأصوليين بل يحرم إكرامهم لظاهر النّهي في قولنا لا تكرم الأصوليين لعدم المنافاة بين عدم الوجوب وثبوت الحرمة وإنّما قلنا في تفسير الترتيب هنا بأن يخصّص العام الأوّل بالأصوليين أولا إذ لو لوحظ التعارض بين العامين أولا ويحمل الأمر في قولنا أكرم العلماء على الاستحباب لأجل نصوصية النفي في العام الآخر ثم يخصّص بالأصوليين لا تبقى ثمرة لملاحظة الترتيب لكون المحصل بعد ملاحظة التعارض دفعة أو ترتيبا بهذا المعنى هو استحباب إكرام من عدا الأصوليين فيتخير بينهما حينئذ بخلاف الترتيب بالمعنى المتقدم وأمّا وجود المرجّح للترتيب على الدّفعة فإنّه في صورة علاج التعارض دفعة واحدة يلزم تخصيص العلماء بالأصوليّين وحمل الأمر على الاستحباب وفي صورة الترتيب يلزم تخصيص العلماء بالأصوليّين في قولنا أكرم العلماء وتخصيص العلماء أيضا في قولنا لا يجب إكرام العلماء بهذا العام المخصّص والتخصيص الأوّل لازم على التقديرين فيدور الأمر حينئذ بين حمل الأمر على الاستحباب وتخصيص العلماء في قولنا لا يجب إكرام العلماء والتخصيص أولى من سائر المجازات وفذلكة المقامات الثلاثة المتقدّمة بحيث تكون ضابطة في المقام أنّه مع تعارض الأدلّة المنفصلة مع كون التعارض من جانب واحد وكون بعضها نصّا أنّ النسبة بين الأدلّة المتعارضة إن كانت نسبة واحدة عند علاج تعارضها دفعة واحدة أو مرتبا ولم تتقلب إلى نسبة أخرى عند علاجها مرتبا يثبت فيه التخيير وإن انقلبت إلى نسبة أخرى عند علاجها مرتبا بأن كانت نسبتها عند علاجها دفعة واحدة عموما وخصوصا مطلقا وانقلبت إلى نسبة أخرى عند علاجها مرتبا فحينئذ إن كان للترتيب مرجح فهو وإلا تعينت الدّفعة الثانية تعارض الأدلة من جانب واحد مع كون أحد الأدلّة ظاهرا والباقيين نصين بالنسبة إليه وكون بعضها مرددا بين كونه من المخصّصات المنفصلة أو المتّصلة كالاستثناء مثل قولنا أكرم العلماء إلاّ الفسّاق منهم ولا تكرم النّحويين وتحقيق المقام يبتنى على تحقيق الكلام في كون الاستثناء من المخصّصات المتّصلة أو المنفصلة ونقل كلماتهم المومية إلى الخلاف في ذلك فنقول إنهم قد حكموا بعدم الضمان في العارية واستثنوا منه صورة اشتراط الضمان وصورة إعارة الذّهب والفضّة ولكنهم اختلفوا في أنّ الضّمان هل يعمّ المسكوك من الجنسين وغيره كالحلي المصوغة أو يختص بإعارة المسكوك أعني الدّرهم والدينار وذهب المشهور إلى الثّاني ومنهم فخر المحققين والسّبزواري وصاحب الرّياض وجماعة إلى الأوّل ومنهم المحقق والشّهيد الثانيان واختلافهم هذا ينشأ من اختلاف مشاربهم في فهم الأخبار لأنّ هنا أصنافا خمسة من الأخبار ففي بعضها نفي الضمان مطلقا مثل الصّحيح ليس على المستعير عارية ضمان وصاحب العارية والوديعة مؤتمن وفي آخر استثنى صورة الاشتراط وفي ثالث استثنى الذّهب والفضة مثل الخبر في العارية ليس على مستعير ضمان إلاّ ما كان من ذهب أو فضّة فإنهما مضمومان اشترطا أو لم يشترطا وفي رابع استثنى الدّنانير مثل الصّحيح لا يضمن العارية إلا أن يكون اشترط فيها ضمانا إلاّ الدّنانير فإنها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضمانا وفي خامس استثنى الدّراهم مثل الحسن كالصحيح ليس على صاحب العارية ضمان إلاّ أن يشترط صاحبها إلا الدّراهم فإنّها مضمونة اشترط صاحبها أو لم يشترط قال فخر المحققين ما حاصله أن خبر الذهب والفضة يخصّص بخبر الدّرهم والدّينار لكونه أخصّ بالنسبة إليه وبعد تخصيصه به يخصص عموم نفي ضمان العارية بهذا العام المخصّص وأورد عليه المحقق الثاني بما حاصله أنّ التّخصيص فرع التنافي ولا تنافي بين ضمان عارية الذّهب والفضة وضمان عارية الدّرهم والدّينار لإمكان اجتماعهما فلا موجب للتخصيص فيبقى عموم الذهب والفضة بحاله فيكون كل من خبر الذّهب والفضة مخصصا لعموم نفي الضّمان وذكر الشّهيد الثّاني ما حاصله منع التنافي كما ذكره المحقق الثاني وقد نقل المصنف رحمهالله عبارته بطولها وقال في الرّياض تبعا للسبزواري إنّ النسبة بين روايتي الدّرهم والدّينار بعد جعلهما كرواية واحدة وبين ما استثنى الذهب والفضة هو العموم والخصوص من وجه وتوضيحه على ما نقله بعض مشايخنا عن صاحب الرّياض مع ملاحظة ما ذكره في بعض حواشيه على كتابه في تلك المسألة أن روايتي الذهب والفضة والدّرهم والدّينار قد اشتملتا على نفي الضمان عن العارية وعلى إثباته في الذهب والفضّة كما في الأولى وفي الدّرهم والدّينار كما في الثّانية ولا تعارض بينهما في نفي الضّمان عن غير الذّهب والفضّة كالثوب ونحوه ولا في إثباتهما له في الدّرهم والدّينار وإنّما التعارض بين المستثنى منه في خبر الدّرهم والدّينار والمستثنى في خبر الذهب والفضة لأنّ مقتضى الأوّل نفي الضمان عن الحلي المصوغة ومقتضى الثّاني إثباته لها وإلى ذلك أشار المصنف رحمهالله بعقدي السّلب والإيجاب فيتعارضان فيها بالعموم من وجه فمادة الافتراق من الأوّل هو الثوب ونحوه لأنّ إثبات الضمان في الذهب والفضّة ساكت عنه ومن الثاني إثبات الضّمان في الدرهم والدينار لأن نفي الضمان عن ما عدا الدّرهم والدّينار ساكت عن إثباته فيهما لأنّ الكلام في فرض التعارض بين المستثنى منه من جانب والمستثنى من جانب آخر لا بين مجموع ما تضمنته الرّوايتان ومادة الاجتماع هي الحلي المصوغة على ما عرفت فيرجع فيها بعد التعارض والتساقط إلى مقتضى الأصول من أصالة عدم الضمان كما هو مقتضى عمومات نفي الضمان في العارية من غير تقييد وأقول إنّ ظاهر كلام المحقق الثّاني كون الاستثناء من المخصّصات المنفصلة فكأنّه قال لا ضمان في العارية ثم قال في عارية الذّهب والفضّة ضمان وقال أيضا في عارية الدّرهم والدّينار ضمان ولذا قال لا منافاة بين استثناء الذّهب والفضة من عموم نفي الضمان وبين استثناء الدّرهم والدّينار منه أيضا إذ لو كان الاستثناء من المخصصات المتّصلة تحققت المنافاة بين استثنائهما لأن مقتضى استثناء الأوّلين ثبوت الضمان في الحلي المصوغة ومقتضى استثناء الأخيرين نفيه عنها كما تقدم وقد تفطن الشّهيد الثّاني بتنافيهما فأجاب عنه بما هو مذكور في كلامه وظاهر الفخر وغيره كونه من المخصّصات المتّصلة حيث قد فهموا التنافي بين الاستثناءين فخصّصوا عموم الذّهب والفضة أو إطلاقهما بخصوص الدّرهم والدّينار ثم خصّصوا عموم نفي الضمان بهما وإلاّ فلا يتحقق التنافي بين الاستثناءين حتّى يوجب الجمع بينهما بتخصيص أحدهما بالآخر كما زعمه المحقق الثاني والتحقيق وفاقا للمصنف رحمهالله كونه من المخصّصات المتصلة لأنا لا نفهم فرقا بين قولنا لا تكرم العلماء