بالجملة أنّ المتعارضين بالعموم والخصوص مطلقا ليس من موارد التّرجيح أصلا لا عقلا ولا عرفا أمّا الأوّل فلإمكان حمل العام على الخاصّ وأمّا الثّاني فلعدم انفهام التّنافي بينهما عرفا وإذا لم يكن الخبران المتعارضان بظاهرهما على وجه التّباين موردين للتّرجيح لم يكن المتعارضان بالعموم من وجه موردا له بطريق أولى فتبقى أخبار الترجيح بلا مورد فإن قلت كيف تنكر جواز الجمع بما أمكن وقد ورد في بعض الأخبار تفسير بعض آخر منها بما لا يحتمله اللّفظ إلاّ من باب مجرّد الاحتمال مثل ما ورد عن بعضهم عليهمالسلام لما سأله بعض أهل العراق وقال كم آية تقرأ في صلاة الزّوال فقال عليهالسلام ثمانون ولم يعد السّائل فقال عليهالسلام هذا يظنّ أنّه من أهل الإدراك فقيل له عليهالسلام ما أردت بذلك وما هذه الآيات فقال عليهالسلام أردت منها ما يقرأ في نافلة الزّوال فإنّ الحمد والتّوحيد لا يزيد على عشر آيات ونافلة الزّوال ثمان ركعات وما ورد من أنّ الوتر واجب فلمّا فرغ السّائل واستقر فقال عليهالسلام إنّما عنيت وجوبها على النّبي صلىاللهعليهوآله إلى غير ذلك ممّا سيشير إليه المصنف رحمهالله من الأخبار قلت لا إشكال في عدم الاعتماد على أمثال هذه التفاسير من دون نصّ وبيان من الشّارع سيّما في غير مقام التعارض كما هو ظاهر الأخبار المذكورة لأنّها أسرار خفيّة لا نهتدي إليها بعقولنا القاصرة ولم يثبت الدّليل على كوننا مكلّفين بإبداء أمثال هذه الاحتمالات البعيدة عن مقتضيات الأخبار إن لم يثبت الدّليل على خلافه وإلاّ فمن التزم به في أبواب الفقه فليأت بفقه جديد مخالف لطريقة صاحب الشّرع وأمّا الثّاني فهو أيضا كما ذكره لأن من تتبع الفقه وسيرة تبعتها وجد طريقتهم مستقرة على استعمال المرجّحات في متعارضات الأخبار على وجه التباين بظاهرها والحكم بالتخيير مع عدم وجود المرجّح وأمّا ما أسلفناه سابقا من إطلاق العلاّمة والسّيد عميد الدين والشّهيد الثّاني قضيّة أولوية الجمع بحيث يشمل المتعارضين بظاهرهما على وجه التّباين فلا ينافي ما ذكرناه لما أشار إليه المصنف رحمهالله في كلام ابن أبي جمهور من حمل الإمكان في كلامه على الإمكان العرفي دون العقلي إذ لولاه لزم حمل أخبار الترجيح على الموارد النادرة بل غير الموجودة وهو لا يناسب هذا الاهتمام الوارد في تلك الأخبار فهو لا يناسب مثلهم بل من دونهم (قوله) والنّص والإجماع إلخ إذ يلزم على تقدير الجمع حمل أخبار العلاج على الموارد النّادرة بل غير الواقعة وهو مخالف لإجماعهم على استعمال المرجحات كما تقدّم (قوله) فهو تعارض النصّ والظّاهر إلخ لا خلاف حتّى من الأخباريّين في حمل الظّاهر على النصّ والظّاهر على الأظهر من دون ملاحظة مرجحات السّند والحكم بالتخيير مع عدمها ويدلّ عليه بعد الإجماع عدم انفهام التّنافي بينهما عرفا فلا يكونان موردين لأخبار التّرجيح والتّخيير ومنه يظهر ضعف ما يظهر من صاحب الرّياض من تقديم بعض العمومات على الخاص المخالف له لمخالفته للعامة وموافقة الخاص لهم لأنّه حيث حكم بكون زيادة الرّكعة مبطلة للصّلاة مطلقا نظرا إلى العمومات المقتضية له مثل الصّحيح إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل الصّلاة استقبالا وحكاه عن المشهور قال خلافا للإسكافي فلا إعادة في الرّابعة إن جلس بعدها بقدر التشهّد واختاره الفاضلان في المعتبر والتحرير والمختلف للصّحيحين ثمّ أجاب عنهما بعد كلام له في البين بحملهما على التقية قال كما صرّح به جماعة حاكين القول بمضمونهما عن أبي حنيفة المشهور رأيه في جميع الأزمنة وعليه أكثر العامة انتهى وأنت خبير بأنّ الصّحيحين خاصّان بالنّسبة إلى العمومات المذكورة فلا وجه لملاحظة المرجّحات بينهما فالأولى في وجه تقديم العمومات عليهما أن يقال بأن إعراض المشهور عن العمل بالخبر ولو كان صحيح السّند يسقطه عن مرتبة الاعتبار وقد عرفت عدم عملهم بهما فلا يبقى مقتض للعمل حتّى يجمع بينهما وبين العمومات فإن قلت قد صرّح جماعة من الأصحاب أنّ العام قد يقدم على الخاصّ فلا بدّ أن يكون ذلك بعد اعتبار سندهما لأجل بعض المرجحات فكيف تنكر ذلك قلت إنّما نسلم تقديم العام على الخاص في مقامين أحدهما أن يبلغ حكم العام في الوضوح والاشتهار إلى أن يقرب من ضروريّات المذهب وإن لم يصر ضروريّا فلا يجوز تخصيص مثل هذا العام بخبر أو خبرين إلاّ إذا اكتسى المخصّص بسبب القرائن الخارجة من القوة مرتبة يصلح لتخصيصه وثانيهما أن يكون الخاص موهونا ببعض الأمور الخارجة مثل إعراض المشهور ونحوه فلا يصلح للتّخصيص ولا دليل على تقديم العمومات في غير هذين المقامين وإن اقترنت ببعض مرجّحات السّند أيضا(قوله) مزية وقوّة يعني بحسب الدّلالة لأنّ الجمع العرفي مقدّم على الترجيح بمرجّحات السّند(قوله) تعين العمل إلخ جواب لو وقوله كان جزاء إن الشّرطيّة(قوله) والترجيح بالعرف قال في الحاشية بعد إحراز الترجيح العرفي للأظهر يصير كالنّص ويعامل معه معاملة الحاكم لأنّه يمكن أن يصير قرينة للظّاهر ولا يصلح أن يكون الظّاهر قرينة له بل لو أريد التصرّف فيه احتاج إلى قرينة من الخارج فالأصل عدمها فافهم انتهى (قوله) إمّا من باب عروض إلخ سيجيء تحقيق أنا إن قلنا باعتبار الظواهر من باب الطريقية فمقتضى الأصل تساقط المتعارضين منها لخروج الطريق من كونه طريقا بمزاحمة مثله فيرجع في موردهما إلى الأصل الموافق لأحدهما إن كان أحدهما موافقا له وإلاّ فالتخيير وإن قلنا باعتبارها من باب السّببيّة فمقتضى الأصل العقلي هو الأخذ بأحدهما تخييرا وسيجيء أن أقواهما هو الأوّل لكون اعتبار أصالة الحقيقة من باب الطريقية دون السّببيّة والموضوعيّة وكيف كان فمآل الوجهين إلى العمل بمقتضى أحد المتعارضين وكذا مقتضى التخيير الشّرعي مع فقد المرجّح بل وكذا الأخذ بالرّاجح مع وجود المرجّح لأنّ مرجع الجميع إلى الأخذ بأحد المتعارضين لا بهما معا فيسقط القول بأولويّة الجمع من الطّرح حينئذ نظرا إلى كونه عملا بالدّليلين لما عرفت من مساواتهما في مقام العمل نعم يثمر القول بأولويّة الطّرح من الجمع هنا في إعمال المرجّحات مع وجودها كما أشار إليه المصنف رحمهالله لكن في دعوى انحصار الثّمرة فيما ذكره نظر لأنّه على التخيير الشّرعي يجوز تخصيص عمومات الكتاب والسّنة بالمخير بخلاف ما لو قلنا بالتّساقط والرّجوع إلى الأصل الموافق وبالجملة أنّ القول بكون المتعارضين بالعموم من وجه موردا لقاعدة الجمع أو موردا لأخبار التّرجيح والتخيير كما يثمر في صورة وجود المرجّح على ما صرّح به المصنف رحمهالله كذلك يثمر في صورة فقده أيضا على ما ذكرناه وتحقيق المقام على ما تقتضيه الحال عاجلا أن في كون المتعارضين بالعموم من وجه موردا لقاعدة الجمع أو لأخبار التّرجيح والتخيير وجهان بل قولان