أصل الشيء والشكّ في صحّته وفساده وتؤيّده منافرته لظاهر التعليلين ويدفعه أنّ الظاهر أن المراد بالخروج والتجاوز عن الشيء هو الخروج والتّجاوز عن محلّه كما تقدّم سابقا فيشمل الشكّ في وجود الشيء أيضا ويحتمل ورود التعليلين لبيان الحكمة دون العلّة كما تقدّم الثّاني أن يكون الشكّ في وجود المانع كما إذا شكّ بعد الفراغ من الغسل في وجود حاجب في بدنه مانع من وصول الماء إلى البشرة وظاهر الأصحاب هو الحكم بصحّة الغسل حينئذ لكن لا لقاعدة الفراغ بل لاستصحاب عدمه ويشكل بأنّ أصالة عدم الحائل لا تثبت انغسال البشرة حتّى يحكم بصحّة الغسل وقد يمنع جريان القاعدة في المقام أيضا نظرا إلى أنّ المتبادر من أخبار الباب هو المضي في العمل وعدم الاعتناء بالشكّ فيما وقع الشكّ في إيقاع أصل الفعل أو في إيقاعه على وجه الصحّة والشكّ في صحّة الغسل هنا ليس من أحد القبيلين لأنّ الشكّ في صحّته هنا مسبّب عن وجود الحائل وعدمه لا عن أصل إيقاع الفعل أو عن كيفية إيقاعه وأنت خبير بأنّه يمكن منع الظّهور بل ربّما يدعى اعتبار الاستصحاب المذكور أيضا وإن كان مثبتا نظرا إلى أنّ الأصول المثبتة إنّما يمنع من العمل بها من باب الأخبار والأصول العدمية معتبرة من باب بناء العقلاء فتأمل فإنّ المقام لا يخلو من إشكال السّابع أنه إذا اعتقد بشيء من الأحكام أو الموضوعات ثمّ شكّ في صحّة اعتقاده السّابق ففي جريان القاعدة في تصحيح هذا الاعتقاد وجوه أحدها المنع مطلقا بناء على منع شمول أخبار الباب للاعتقادات لانصرافها إلى غيرها وثانيها القول بالموجب كذلك جمودا على ظاهر الأخبار لعمومها لكلّ شيء وثالثها التفصيل بين العلم بفساد منشإ الاعتقاد السّابق ومدركه كما إذا اعتقد بالحكم من الاستقراء لأنّ فساد المدرك لا يستلزم فساد المدرك فلا يعتبر وبين نسيان مدركه فيعتبر لعموم الأخبار وأوجه الوجوه أوّلها لأنّ حمل شيء على الصحّة فرع قابليته لذلك وصلاحيته له والاعتقاد الجزمي لا يتّصف بشيء من الصحّة والفساد لأنّه طريق عقليّ من أيّ سبب حصل نعم المتّصف بهما المعتقد لا صفة الاعتقاد ولا تنافيه رواية محمّد بن مسلم المتقدّمة في تضاعيف أخبار الباب عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه قال إن شكّ الرّجل بعد ما صلّى فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا وكان يقينه حين انصرف أنه كان قد أتمّ لم يعد الصّلاة وكان حين انصرف أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك لأنّ المحمول على الصحّة فيها ليس هو الاعتقاد السّابق بل المعتقد ونحن لا نتحاشى عنه وثمرة حمل الاعتقاد على الصّحة تظهر في الآثار المستقبلة فإذا شكّ المجتهد في صحّة اعتقاده السّابق فمعنى حمل معتقده على الصّحة عدم وجوب إعادة أعماله الّتي بنى على اعتقاده السّابق لكن يجب تحصيل اعتقاد جديد لأعماله الآتية ومعنى حمل اعتقاده على الصّحة عدم وجوب إعادة المعتقد ثانيا ولا تحصيل اعتقاد آخر بعده فيكون الحمل على الصّحة من جملة أدلّة عدم وجوب تجديد النّظر للمجتهد هذا كلّه إذا اعتبر الاعتقاد من باب الطريقية إلى الواقع وأمّا إذا اعتبر من باب الموضوعيّة فالظاهر جريان القاعدة فيه لقابلية الاعتقاد حينئذ للاتّصاف بالصّحة والفساد كجواز الشهادة للعالم بناء على أخذ الاعتقاد جزء موضوع منه كما تقدّم في صدر الكتاب (الثّامن) أنّه علي القول المشهور من اختصاص مورد القاعدة بأفعال الصّلاة أعني الأفعال المعنونة منها في كلمات الأصحاب لا إشكال في جريانها في أفعال المختار وأمّا المضطرّ كصلاة المريض جالسا أو مستلقيا أو مضطجعا ففي جريان القاعدة في أفعاله كالجلوس بدل القيام والإيماء والغمض بالعين بدل الرّكوع والسّجود مع تعذرهما محلّ إشكال لعدم عنوانه في كلمات الأصحاب على ما ادعاه صاحب الجواهر وتحقيق المقام أنّ الأفعال المذكورة إن ثبتت بدليّتها عن أفعال المختار شرعا فلا إشكال في جريان القاعدة فيها لعموم البدليّة فإن جعل الإيماء بدلا عن الرّكوع والسّجود يقتضي تنزيله منزلتهما في جميع أحكامهما حتّى أحكام الشكّ فإذا شكّ في الإيماء للرّكوع بعد الشّروع في الإيماء للسّجود لا يلتفت إلى شكّه وبنى على وقوع المشكوك فيه وإن لم تثبت البدليّة فالأظهر عدم جريان القاعدة فيها لأنّ الفرض اختصاص القاعدة بأفعال صلاة المختار لأنّها المتيقّنة من أخبار الباب وغاية الأمر أن يتعدّى إلى ما هو بمنزلتها شرعا دون غيرها وتحقيق موارد ثبوت البدليّة موكول إلى نظر الفقيه ومجمله ثبوت البدليّة في الإيماء للرّكوع والسّجود وأمّا الجلوس ففيه أقوال المنع مطلقا وهو الأظهر والقول بالموجب كذلك والتفصيل بدعوى ثبوت بدليته عن القيام في حال القراءة دون غيرها فعلى الأوّل يكون القيام ساقطا عن المضطرّ ويكون الجلوس من المقدّمات الشّرعيّة للقراءة وكذا الكلام في الاضطجاع والاستلقاء فإذا شكّ في الإيماء للسّجود بعد الجلوس قبل الشّروع في القراءة يعود على الأوّل دون الأخيرين لعدم تحقّق الدّخول في فعل آخر عليه دونهما وإذا شكّ فيه بعد الشّروع في القراءة لا يلتفت إلى شكه على الأخيرين وأما على الأوّل فالظّاهر وجوب العود لأنّه وإن دخل في القراءة إلاّ أنّ القراءة ليست معنونة في الفقه بنفسها بل بوصف كونها حال القيام لا مطلقا والمعتبر على مذهب المشهور في عدم الالتفات إلى الشكّ في فعل من أفعال الصّلاة هو الدّخول في فعل آخر من الأفعال المخصوصة المعنونة في كلمات الأصحاب والجلوس على القول ببدليته عن القيام واجب حيث يجب فيه القيام ومستحب حيث يستحب كما في حال القنوت وفي حكم صلاة المضطرّ في جريان القاعدة فيها وعدمه النّوافل حيث يجوز فعلها ماشيا وعلى الدابة والإيماء لركوعها وسجودها هذا كلّه على مذهب المشهور وأمّا على المختار من عموم القاعدة فلا فرق بين صلاة المختار والمضطر وغيرهما لأنّ المدار حينئذ على حصول الشكّ في فعل بعد الدّخول في فعل آخر مطلقا من دون فرق بين العبادات والمعاملات على أصنافهما التّاسع أنّ الشكّ المأخوذ في موضوع القاعدة تارة يكون سازجا وأخرى مشوبا بالعلم الإجمالي ولا إشكال في جريانها على الأوّل وأمّا الثّاني مثل ما لو توضأ وضوءين أصليّ وتجديدي وقلنا بعدم رفع التجديدي للحدث وصلى بعدهما صلاة واحدة أو أكثر ثم تيقن بطلان أحد الوضوءين وإنّما قلنا بكون أحدهما تجديديّا لأنّه مع كونهما أصليين حصل العلم بصحّة الصّلاة للقطع بوقوعه بعد وضوء صحيح رافع للحدث وإنّما قلنا بعدم رفع التجديدي لأنّه إن قلنا برفعه كان كالأصلي ومن هنا يظهر أنّه لو كانا تجديديين وقلنا برفع التجديدي كانا كالأصليين وإن قلنا بعدم رفعه حصل العلم حينئذ ببطلان الصّلاة الواقعة بعدهما ففرض احتمال الصّلاة للصّحة والفساد فيما وقعت بعد وضوءين علم ببطلان أحدهما لأجل