تابعا للأداء لانقطاع البراءة السّابقة بثبوت التكليف في الجملة فلا يجوز استصحابها بل مقتضى استصحاب الأمر الأوّل على خلافه وأمّا أصالة البراءة فمقتضاها عدم وجوب القضاء مع قطع النّظر عن استصحاب الأمر الأوّل وبالجملة إنّ استصحاب البراءة السّابقة غير جار وإن قطع النظر عن استصحاب الأمر الأوّل وأصالة البراءة جارية لكن مع قطع النظر عنه وفيه نظر لأنّ القضاء تكليف جديد وإن قلنا بكونه تابعا للأداء وثبوته بالأمر الأوّل ولذا يلتزم بعقاب آخر على مخالفته والأصل عدم هذا التّكليف بمعنى استصحاب البراءة السّابقة واستصحاب الأمر الأوّل وإن تمسّك به شريف العلماء تبعا للمحقّق القمي رحمهالله إلاّ أنّه ضعيف لانقضاء الأمر الأوّل بخروج وقته ولا أقل من احتمال تقيّده بالوقت الأوّل فلا يصدق معه البقاء حتّى يصحّ استصحابه فالأولى التمثيل للمقام بما تقدم من المثال لعدم سلامة الأوّل والثّالث من إشكال كما عرفت وأمّا مادة الافتراق من جانب استصحاب البراءة فمثل ما لو دار الأمر في شيء بين كونه أحد فردي الواجب المخير وبين كونه مباحا مسقطا عنه كما إذا ثبت الأمر بالعتق وتردد الأمر بين كون المكلّف مخيّرا بين المؤمنة والكافرة وبين كون عتق الكافرة مباحا مسقطا عنه وحينئذ لا يمكن نفي وجوبه بقاعدة البراءة لأنّ مقتضاها كما نبّهنا عليه في مسألة البراءة هو نفي احتمال العقاب لا نفي الوجوب أو الحرمة والفرض في المقام عدم ترتب عقاب على ترك عتق خصوص الكافرة أمّا على تقدير كونه مباحا مسقطا عن الواجب كالسّفر المسقط عن وجوب الصّوم فواضح وأمّا على تقدير كونه أحد فردي الواجب المخيّر فلعدم ترتّب العقاب على ترك خصوص أحد فرديه بل العقاب على ترك الجميع كما هو واضح وحينئذ يتعين الرّجوع إلى استصحاب البراءة السّابقة عن وجوب عتق خصوص الكافرة والله العالم بحقائق أحكامه (قوله) فإنّ مجرّد الشكّ في حصول إلخ حاصله حكومة قاعدة البراءة على استصحابها لأنّه إذا فرض كون مجرّد الشكّ في التكليف علة تامّة لحكم العقل بالبراءة لا يبقى في الزّمان الثّاني في شكّ ولو في الظّاهر حتّى يجري فيه الاستصحاب لكن هذا إنّما يتمّ لو أريد باستصحاب البراءة استصحاب عدم اشتغال الذّمّة فعلا وعدم وجوب الامتثال كذلك وإن أريد به استصحاب عدم الحكم من الوجوب والحرمة فالقاعدة حينئذ وإن لم تكن حاكمة على استصحاب البراءة بالمعنى المذكور لعدم دلالة العقل على هذا الحكم عند الشكّ فيه لأنّ غاية ما يدلّ عليه العقل عند الشكّ في التكليف هو عدم وجوب امتثال التكليف المشكوك فيه لا عدمه في الواقع ولو ظنّا ولكن يرد عليه أنّ المقصود من استصحاب عدم الحكم إثبات عدم وجوب امتثاله في زمان الشّكّ وهو مع كونه من الآثار العقليّة لعدم الحكم فلا يثبت بالاستصحاب أنّ هذا الأثر من آثار مجرّد الشكّ في التكليف لا من آثار عده في الواقع فبمجرّد الشكّ فيه يرتّب عليه أثره من دون حاجة إلى إثبات عدمه بالاستصحاب ولا تنافي بينما ذكره هنا من منع جريان استصحاب البراءة وبينما تقدّم في توجيه كلمات القوم في تفسير استصحاب حال العقل باستصحاب العدم من تسليم ذلك هناك لأنّ المراد بما ذكره هنا هو استصحاب البراءة وبما ذكره هناك استصحاب العدم ومقصوده ثمة بيان عدم المانع من حيث كون المستصحب أمرا عقليا مع قطع النّظر عن سائر الموانع فلا ينافي تسليمه هناك ما أورد على استصحاب العدم هنا فلا تغفل (قوله) باعتبار كون القضية المستصحبة إلخ حاصله أنّ الاستصحاب التعليقي ما كان الحكم المستصحب فيه متعلقا بموضوع على تقدير وجود شرط مفقود أو فقد مانع موجود وشكّ في ارتفاع هذا الحكم المعلق على نحو تعلقه به وعدمه بسبب تغيّر بعض حالات الموضوع كصيرورة العنب زبيبا في المثال الّذي ذكره المصنف رحمهالله ومن جملة أمثلته أيضا أنّ الصّلاة واجبة على المرأة الخالية من الحيض بشرط دخول الوقت فإذا دخل الوقت ورأت دما مشتبها مرددا بين الحيض والاستحاضة يستصحب الوجوب المعلق لإثبات كون الدّم استحاضة وهذا المعنى هو المعروف في الاستصحاب التعليقي وقد يطلق أيضا على استصحاب حكم معلق على وجود موضوع عند الشكّ في بقاء هذا الحكم وارتفاعه لأجل عروض ما يشكّ في بقائه مثل قول الشّارع الكلب نجس والغنم طاهر والبيع صحيح إذ المراد بهذه القضايا أنّ الكلب إن وجد كان نجسا والغنم إن وجد كان طاهرا والبيع إذا تحقق كان صحيحا فإذا وقع البيع في وقت النداء يستصحب الحكم المعلّق على وجود البيع لإثبات كون هذا البيع صحيحا وكذا إذا فرض أنّ شخصا لم يقلد مجتهدا مع وجود الجامع للشرائط فإذا مات هذا المجتهد استصحب جواز تقليده إلى ما بعد الموت فإن تقليد هذا المجتهد كان جائزا فيستصحب هذا الجواز وإن كان وجوده الفعلي في السّابق معلّقا على تحقّق تقليده والتمسّك بالاستصحاب بهذا المعنى محكي عن بعض متأخري المتأخرين وفيه أن الحكم المستصحب في أمثال ما ذكر ليس معلّقا على شيء بل هو مرتب على موضوعه الكلّي فعلا وإن كان تحقّقه في الخارج متوقفا على وجود بعض أفراده وبالجملة إنّ الظّاهر من الاستصحاب التعليقي استصحاب ما كان وجوده معلقا على عدم أمر موجود أو وجود أمر معدوم لا ما كان عدمه في الزّمان السّابق لعدم موضوعه لعدم عدّ مثله من التعليقيّات في شيء(قوله) أقول لا إشكال في أنّه يعتبر إلخ حاصل ما ذكره يرجع إلى جوابين أحدهما منع كون المعتبر في جريان الاستصحاب وجود المستصحب في الزّمان السّابق بالوجود الفعلي المنجز لأنّ غاية ما يدلّ عليه الأدلّة من العقل والنّقل هو وجود شيء في السّابق على نحو من أنحاء الوجود وشكّ في بقائه على نحو وجوده الأوّل وحينئذ يحكم ببقائه في زمان الشكّ على نحو وجوده الأوّل ولا ريب أنّ الوجود التعليقي أعني قابلية الشيء للوجود الفعلي وصلاحيته له قسم من أنحاء الوجود في مقابل عدمه المحض ولذا ترى أن التعليقيّات التكليفية أو الوضعيّة تحتاج في وجودها التعليقي إلى إنشاء من الحاكم فإذا قال المولى لعبده إن جاءك زيد فأكرمه أو بعتك هذا بهذا إن كان مالي فهو منشئ للوجوب المعلّق على المجيء وكذا التمليك المعلق على كون المبيع ماله وإن وقع التعليق في المنشأ وبعبارة أخرى إن التعليق إنّما هو في الأمر المنشأ لا في نفس الإنشاء وتوهم خلافه واضح الضّعف واحتياج الوجود المعلّق إلى الإنشاء دليل على كونه من قبيل الموجودات وثانيها مع التسليم أن الملازمة بين الحرمة والغليان وكذا بين غيرهما في سائر موارد الاستصحاب التعليقية موجودة فعلا في الزّمان السّابق فتستصحب إلى زمان الشّكّ فيحكم بالحرمة الفعليّة على تقدير تحقق الغليان فإن قلت إن ترتب اللازم على بقاء الملازمة على تقدير وجود الشّرط وهو الغليان عقلي فلا يثبت بالاستصحاب قلت هذا إنّما يتم على تقدير كون الملازمة عقليّة لا شرعيّة وإلاّ فلا غرو في ترتيب اللاّزم على ملزومه الثابت بالأصل وإن كان ترتبه عليه عقليّا ولذا يحكم بجواز الدّخول في الصلاة باستصحاب بعد ثبوت الطّهارة وإن كان جواز