ممّا كانت الحالة السّابقة فيه ثابتة بالعقل تكون القضية الشّرعيّة فيه غير مستندة إلى القضية العقليّة نظير ما ذكره في استصحاب النفي ولعلّ وجه الفرق كما قيل أنّ عدم توجّه التكليف إلى شخص لا بدّ وأن يكون لانتفاء مقدّمة من مقدّماته من العقل والعلم والقدرة والالتفات ونحوها ولا ريب أن انتفاء ذي المقدمة يستند إلى أوّل ما انتفت من المقدّمات لكون عدم كل مقدّمة علّة تامّة لعدم ذيها وإلاّ لم تكن مقدّمة للوجود بخلافه في طرف الوجود لتوقّف حصوله على حصول جميع المقدّمات الّتي لها مدخل في حصوله ولا ريب أنّ من مقدّمات صحّة التكليف ما هو عقلي ثابت بالعقل كما عرفت ومنها ما هو شرعيّ لا يدركه العقل ولذا لا يقبح العقل تكليف الغلام المراهق مع كمال شعوره وعقله مع عدم صحّة تكليفه شرعا ولا أقل من احتمال ذلك بمعنى تجويز العقل شرائط شرعيّة للتكليف لا يدركها هو وإذا حكم العقل بعدم صحّة التكليف في بعض الموارد لانتفاء بعض مقدّماته العقليّة وحكم الشّرع أيضا على طبقه فكما يحتمل أن يكون حكم الشّرع مستندا إلى انتفاء ما أدركه العقل انتفائه من المقدّمات حتى لا يصح انسحاب عدم التكليف إلى حالة تحقق هذه المقدّمة المفقودة كذا يحتمل أن يكون مستندا إلى انتفاء بعض المقدّمات الشّرعيّة الّتي لا يدركها العقل بأن كان انتفاء هذه المقدّمة سابقا على انتفاء المقدّمة العقلية الّتي أدرك العقل انتفاءها لما عرفت من أنّ السّابق من المقدّمات المفقودة هي العلّة التّامّة لانتفاء التكليف وحينئذ يصحّ استصحاب عدم التكليف مع تغير القضية العقلية بخلافه في طرف الوجود لأن حكم العقل بشيء موقوف على إدراكه وجود جميع المقدمات الّتي لها مدخل في الوجود وإذا حكم الشّرع على طبقه فإن كان حكم الشّرع أيضا مستندا إلى ما كان حكم العقل مستندا إليه لم يصح الاستصحاب كما عرفته في الحاشية السّابقة وإن كان مستندا إلى غيره فإن كان كل ممّا استند إليه العقل والشّرع علّة لوجود الحكم لزم اجتماع علتين على معلول واحد وإن كان أحدهما علة دون الآخر لزم إمّا خطأ العقل أو الشرع وكلاهما خلاف المفروض فلا بد أن يكون مستند حكم الشّرع هو مستند حكم العقل لا محالة وربّما يورد عليه بأن علل الوجود أيضا كعلل العدم قد تتعدّد وغاية الأمر عدم تأثير اللاّحق منها مع سبق إحداها نظير ما عرفته في علل العدم كما إذا قال إن جاءك زيد فأكرمه وإن أضافك فأكرمه فإنّ كلّ واحد من المجيء والإضافة علّة لوجوب الإكرام فمع تحقّق أحدهما خاصّة يكون هي العلّة في الوجود ومع تحقّقهما فالسّابق منهما ومع اقترانهما يشتركان في العلية لا بمعنى استقلال كلّ منهما فيها لامتناع اجتماع علتين على معلول واحد بل بمعنى اشتراكهما في التأثير في الوجود وحينئذ نقول إنّ العقل والشّرع إذا حكما بوجوب فعل أو حرمته مع عدم العلم بمناط حكم الشّرع يحتمل أن يكون مناط حكم الشّرع مضافا إلى مناط حكم العقل شيئا آخر لا يرتفع بارتفاع مناط حكم العقل بحيث يستقل لإثبات الحكم مع ارتفاع مناط حكم العقل وإن اشتركا في التأثير مع وجودهما كما إذا فرض حكم العقل بقبح شرب الخمر بعنوان كونه مسكرا وكان مناط حكم الشّرع بحرمته في الواقع مضافا إلى مناط حكم العقل شيئا آخر كالإضرار فإذا ارتفع مناط حكم العقل صحّ استصحاب حكم الشرع لا محالة ثم إن المعترض هو صاحب الفصول حيث قال المراد باستصحاب حال العقل كل حكم ثبت بالعقل سواء كان تكليفيّا كالبراءة حال الصّغر وإباحة الأشياء الخالية عن أمارة المفسدة قبل الشّرع وكتحريم التّصرف في مال الغير ووجوب ردّ الوديعة إذا عرض هناك ما يحتمل زواله كالاضطرار والخوف في المثالين الأخيرين أو كان وضعيّا سواء تعلق الاستصحاب بإثباته كشرطية العلم لثبوت التكليف إذا عرض ما يوجب الشكّ في بقائها مطلقا أو في خصوص مورد أو بنفيه كعدم الزّوجية وعدم الملكية الثابتين قبل تحقق موضوعهما وتخصيص جمع من الأصوليين لهذا القسم بالمثال الأوّل ممّا لا وجه له انتهى ووجه اندفاع الاعتراض أمّا أولا فبما أشار إليه المصنف رحمهالله وحاصله أن مراد القوم بتخصيص استصحاب حال العقل باستصحاب النّفي والبراءة ليس من جهة التفصيل في استصحاب الأحكام العقلية بتسليمه في استصحاب النفي ومنعه في استصحاب الوجود كيف وقد عرفت عدم جريانه في استصحاب الأحكام الشّرعية المستندة إلى العقلية مطلقا سواء كانت وجودية أم عدمية بل مرادهم التفصيل في موارد اجتماع الحكم العقلي والشّرعي من دون استناد الثاني إلى الأوّل كما عرفته في الحواشي السّابقة بين الوجودي والعدمي بدعوى عدم تحقق ذلك في الوجودي كما عرفته في الحاشية السّابقة وأمّا ما ذكره من الأمثلة ما عدا مثال أصالة البراءة والإباحة فغير منافية لذلك لعدم جريان الاستصحاب في بعضها وعدم مدخلية بعض آخر فيما نحن فيه أمّا مثال حرمة التّصرف في مال الغير ووجوب ردّ الوديعة مع عروض ما يشكّ معه في بقائهما كالاضطرار والخوف ففيه أنّ حكم العقل بحرمة التّصرف ووجوب الردّ إن كان مطلقا ولو مع فرض الخوف والاضطرار فلا معنى لفرض الشكّ في البقاء حينئذ ودعوى جريان الاستصحاب فيهما لفرض بقاء حكم العقل حينئذ في الزّمان الثّاني كالأوّل وإن كان مختصّا بموارد عدم الخوف والاضطرار بأن كان موضوع حكم العقل مقيّدا بعدمهما فلا معنى للاستصحاب حينئذ أيضا لفرض اختصاص موضوع حكم العقل بصورة عدم الخوف والضّرر وإن كان موضوعه مهملا من حيث التقييد بعدمهما فقد تقدّم سابقا عدم إمكان فرض الإهمال والإجمال في موضوع الحكم العقلي ومنه يظهر الحال في مثال شرطيّة العلم إذا عرض ما يوجب الشكّ في شرطيته كما إذا صار المكلّف سببا في انسداد باب العلم لأنّ العقل إن كان حاكما بشرطيّة العلم مطلقا سواء كان تفصيليّا أم إجماليّا وسواء تسبب المكلّف للانسداد أم لا فلا وجه للاستصحاب وإن كان حاكما بشرطيته مع كونه تفصيليّا مع عدم تسبب المكلّف للانسداد فكذلك أيضا وإن كان موضوع حكمه مهملا فقد عرفت عدم تعقله وأمّا مثال عدم الزّوجيّة والملكيّة فلا دخل له في حكم العقل لكونهما من قبيل الموضوعات الخارجة الّتي لا دخل لها في الأحكام العقليّة لأنّ عدمهما عند عدم موضوعهما ثابت بالوجدان دون العقل وقد تعرّض المصنف رحمهالله لكلام المعترض في التّنبيه الثّالث ولحال الأمثلة الّتي ذكرها فانتظره وأمّا ثانيا مع تسليم صحّة استصحاب الأحكام العقلية فكان تفسير القوم لاستصحاب حال العقل بالبراءة الأصليّة في مقابل استصحاب حال الشّرع إنّما هو من جهة أنّ الثّابت بالبراءة الأصليّة هو نفي الحكم الشّرعي وهو ليس من الأحكام الشّرعيّة ففسّروا استصحاب حال العقل بها لأجل إدراج استصحابات الوجودية العقلية في استصحاب حال الشّرع لكون العقل من أدلّة الشّرع (قوله) إنّ دليل المستصحب إمّا أن يدلّ إلخ المراد بالرّافع ما كان له تأثير في رفع الحكم الثّابت بحيث لولاه كان مستمرّا كالحدث الرّافع للطّهارة والطّلاق لعلاقة الزّوجيّة وبالغاية ما كان كاشفا عن انتهاء استعداد الحكم السّابق وانقضائه بحيث لولاه لم يكن ثابتا كاللّيل الّذي جعل غاية لوجوب صوم النهار فإن النّهار ينتهي بوصول آخره ودخول