ويسمّى استصحاب حال الشّرع وحال الإجماع في محلّ الخلاف كصحّة صلاة المتيمّم إلى أن قال فقد اختلف في حجيّته وحيّز القول فيه علم الأصول ولقد حققنا الأمر فيه في غير موضع واحد انتهى ومنهم محمّد بن علي بن أحمد الحرفوشي العاملي رحمهالله في شرح القواعد الشهيد لأنّ الشّهيد لما قسّم الاستصحاب إلى استصحاب النفي واستصحاب حكم العموم إلى ورود مخصّص وحكم النّص إلى ورود ناسخ واستصحاب حكم ثبت شرعا كالملك عند وجود سببه إلى أن يثبت رافعه واستصحاب حكم الإجماع في موضع النّزاع قال حاصله يعني حاصل القسم الرّابع أن يتفق حكم فيتغيّر الحال ويقع الاختلاف فيستدل من يعبّر باستصحاب الحال إلى أن قال اعلم أنّ الغزالي والأكثر ذهبوا إلى أنّ الاستصحاب في محلّ النّزاع ليس بحجّة وحكي عن بعض الشافعيّة وذهب أبو بكر الصّيرفي وغيره من الشافعية إلى أنّه حجّة وهو اختيار الآمدي وابن الحاجب ومن أطلق منهم القول بأنّه ليس بحجّة كإمام الحرمين فمرادهم به هذا النّوع الرّابع لأنّ الغزالي يوافقهم على عدم القول به وقد صرّح في المستفصى بأنّ الأنواع الثّلاثة الأول متفق على القول بها فتأمّل انتهى هذا ولكن يوهن ذلك كلمة ما سيشير إليه المصنف رحمهالله عند التعرّض لقول الغزالي من أنّ العلاّمة الّذي هو الرّكن الأصيل في تأسيس الأصول من الخاصّة قد ذكر في النّهاية مسألة الاستصحاب ونسب عدم الحجّية إلى أكثر الحنفية وجماعة من المتكلّمين كأبي الحسين البصري والسّيد المرتضى وغيرهما وقال ومن هؤلاء من جوّز به التّرجيح لا غير ونسب الحجّية إلى جماعة من الشّافعيّة كالمزني والصّيرفي والغزالي وغيرهم ثمّ أخذ في أدلة الطّرفين وأطال فيها ثمّ ذكر عنوانا آخر لاستصحاب حال الإجماع وذكر خلاف النّاس فيه ونسب عدم الحجّية إلى جماعة ومنهم الغزالي والحجّية إلى الآخرين ومثل له برؤية المتيمّم الماء في أثناء الصّلاة وبالخارج من غير السبيلين وهو كما ترى صريح في وقوع الخلاف في المقامين ونحوه ما صنعه الحاجبي وقال الحرفوشي في مقام آخر من شرح القواعد في مقام بيان مدارك الأحكام وأمّا دليل العقل فأقسام وعدّ منها الاستصحاب وقال وهو إثبات الحكم وجوديّا كان أم عدميّا في الزّمان الثّاني تعويلا على ثبوته في الزّمان الأوّل وليس بحجّية عند المرتضى وأكثر الحنفية والمتكلمين وأبي الحسين البصري وذهب أكثر أصحابنا وكثير من محققي العامة كالمزني والصّيرفي والغزالي إلى أنّه حجّة ويصحّ الاستدلال به إلى أن قال والّذي عليه بعض المحققين وهو الأظهر أنّه ليس بحجّة مطلقا إلاّ في صورتين الأولى استصحاب الصّحابة ما جاء به النّبي صلىاللهعليهوآله إلى أن يجيء نسخه الثانية ما دلّ الشرع على ثبوته لوجود سببه كثبوت الملك بالشّراء فيستصحب إلى أن يدلّ دليل على خلافه انتهى وهو كما ترى قد نسب عدم الحجّية هنا إلى أكثر الحنفيّة والحجّية إلى أكثر أصحابنا ونسب عدم الحجّية إلى الأكثر مطلقا في كلامه المتقدم والحجّية إلى جماعة بل عدّ الغزالي من المثبتين هنا ومن النافين هناك وهذا لا يتمّ إلاّ باختلاف العنوان في المقامين كما عرفته من النّهاية وكيف كان فالحق وقوع الخلاف في غير حال الإجماع أيضا ولعلّ مراد الجماعة بحال الإجماع ما كان دليل الحكم الثابت في الحالة الأولى غير شامل للحالة الثّانية سواء كان هو الإجماع أم غيره في مقابل استصحاب حكم العام كما استظهره المصنف رحمهالله من كلام الغزالي عند التعرض لقوله وهو الظاهر أيضا من كلام المقدس الكاظمي وغيره ممن تقدّم كما يظهر بالتأمل في كلماتهم (قوله) نظرا إلى أن الأحكام العقلية إلخ توضيحه أنّ الشكّ في القضايا العقليّة لا يخلو إمّا أن يكون من جهة الشك في الموضوع ولو في بعض القيود المأخوذة فيه وإمّا من جهة الشّك في المحمول بمعنى الشك في حكمه على الموضوع المبيّن القيود تفصيلا بشيء والثاني غير معقول إذ بعد تبيّن الموضوع بجميع قيوده الذي هو مناط حكم العقل والعلة التّامة فيه لا وجه لإجمال حكم العقل إذ لا ريب في بقاء حكمه حينئذ واستقلاله به ومن هنا يظهر أنّ الشك في حكم العقل لا يعقل إلاّ من جهة الشك في موضوعه ولو باعتبار بعض القيود المأخوذة فيه مع أنّه أيضا غير معقول لأنّ العقل لا يحكم بشيء إلاّ بعد إحراز جميع قيود موضوعه فمع الشكّ في تحقّق بعض هذه القيود لا يحكم عليه بما كان حاكما عليه على تقدير العلم بوجوده فإذا حكم العقل بحسن الكذب النّافع وقبح الصّدق الضار فمع الشك في تحقّق النفع في الأوّل والضّرر في الثّاني لا يحكم بالحسن في الأوّل والقبح في الثاني لا أن يتردد في حكمه لأجل الشكّ في تحقق موضوعه بل يكون حينئذ ساكتا عن الحكم بشيء منهما وخلافهما وبالجملة إنّه لا يعقل الشكّ والتردّد في حكمه لا من جهة الشكّ في موضوعه ولا من جهة الشك في مدخلية بعض الأمور في حكمه لعدم التردّد في حكمه سواء كان الشكّ في وجود ما علم مدخليته أو مدخلية ما علم وجوده بل لا معنى للشك في المدخلية كما لا يخفى ومع تسليمه فلا معنى للاستصحاب أيضا كما يظهر مما ذكره المصنف رحمهالله لأنّه إذا حكم العقل بقبح الكذب الضار ثمّ تردّد في حكمه بقبحه لأجل الشكّ في زوال قيد الضّرر عنه فإن أريد باستصحاب حكمه استصحاب القبح المحمول في القضيّة السّابقة على الكذب بعنوان كونه مضرّا فلا ريب أنّ هذا الحكم العقلي دائمي لم يقع فيه شك في زمان حتى يستصحب وإن أريد به استصحاب قبح هذا الكذب المشكوك بقاؤه على صفة الإضرار فلا شكّ أن هذا الموضوع لم يعلم اتّصافه بالقبح في السّابق حتّى يستصحب قبحه إذ لا بدّ في إبقاء الحكم السّابق من بقاء موضوعه على وجه اليقين لعدم تعقل بقاء العرض من دون معروضه ثم إنّه يظهر بما قدمناه عدم تحقق الشكّ في المانع في الأحكام العقليّة لأنّه فرع القطع بوجود الموضوع والموضوع في القضايا العقليّة علة تامّة لحكمه وعدم المانع مأخوذ فيه من باب الشرطيّة لا في حكمه والفرق بينهما وبين الأحكام والشرعيّة حيث ذكروا أنّ الشكّ في بقاء الثانية تارة ينشأ من الشك في بقاء الموضوع وأخرى من الشكّ في وجود المانع أنّ الأحكام العقليّة ثابتة بحكم العقل وهو لا يحكم بشيء على موضوع إلاّ بعد إحراز المقتضي التّام له فيه ومن أجزاء المقتضي هو عدم المانع بخلاف الأحكام الشّرعيّة لأنّها مبيّنة في الأدلّة الشرعيّة فما كان الحكم مرتبا عليه في ظاهر الأدلّة يسمّى موضوعا لهذا الحكم وإن فرضت له شرائط وموانع أخر ثابتة بدليل آخر وهذه التسمية اصطلاح أو مسامحة وإلا فالموضوع الحقيقي الّذي يقوم به الحكم لا يكون إلاّ علّة تامّة له وهذا هو الّذي أوقع السّائل في الشبهة فزعم اتحاد موضوع حكم العقل والشّرع فأورد بما ذكره في المتن وإلا فلا وجه له بعد ما عرفت وكيف كان فقد ظهر ممّا ذكرناه الفرق بين الأحكام العقليّة والشّرعية من حيث جريان الاستصحاب في الثانية دون الأولى أمّا عدم جريانه في الأولى فلمّا عرفت من عدم فرض الشكّ في حكم العقل في زمان حتى يستصحب فيه الحكم السّابق فهو في الزّمان الثّاني إما حاكم به كالزّمان الأوّل أو حاكم بعدمه أو ساكت عنهما وعلى أيّ تقدير لا معنى لاستصحاب حكمه الأوّل وأمّا جريانه في الثانية فلما عرفت أن المدار في بقاء الأحكام الشّرعيّة هو صدق بقاء موضوعاتها المذكورة في الأدلة بحسب العرف