تكليف عليهم وهو الأكثر هنا لفرض العلم تفصيلا بوجوب الأقل علينا وعليهم في الجملة فأصالة البراءة تقتضي عدم الوجوب علينا بلا إشكال كيف لا ولو جرت القاعدة هنا وجب الاحتياط في الشّبهات البدويّة أيضا لأنّه إذا شكّ في حرمة شيء أو وجوبه مع احتمال ثبوت الحكم لهم أمكن أن يقال بوجوب الاحتياط هنا أيضا على نحو ما ذكرته فيما نحن فيه وهو خلاف الإجماع من القائلين بالبراءة في الشبهات البدويّة بل مقتضى ما ذكره المصنف رحمهالله من اشتراط جريان قاعدة الاشتراك باتحاد الحاضرين مع الغائبين في صفة العلم والجهل هو عدم جريان القاعدة فيما دار الأمر فيه بين المتباينين أيضا فلا يبقى مقتض لوجوب الاحتياط فيه حينئذ إذ بعد اختصاص الخطاب بالمشافهين وعدم ثبوت الاشتراك في التكليف فالمسلم من الإجماع في المقام هو حرمة المخالفة القطعية لا وجوب الموافقة كذلك كما ذهب إليه المحقق القمي تبعا للخوانساري وهو خلاف ما اختاره المصنف رحمهالله فالأولى في المقام ما ذكرناه من تسليم جريان قاعدة الاشتراك مع العلم بتكليف الحاضرين تفصيلا وكذا إجمالا مع دوران الأمر بين المتباينين ومنعه في المقام لاستقلال العقل بالبراءة عن وجوب الأكثر كما عرفت (قوله) لا يقدح في وجوب إلخ بأن كان العلم الإجمالي منجزا للتكليف بالواقع بحيث يؤاخذ به ويعاقب على تركه وإن كان تركه بترك الأكثر فيما نحن فيه إن كان هو المكلف به في الواقع فلا بد في المثال حينئذ من الالتزام بعقابين إن كان الخمر في الواقع هو الإناء النجس (قوله) فلأنّه يكفي في قصد القربة إلخ توضيحه أنّ لإطاعة أوامر الشارع مع اعتبار خلوها من الرّياء مراتب مختلفة أعلاها الإتيان بالمأمور به بقصد كونه تعالى أهلا للعبادة وأدناها الإتيان به بقصد تحصيل الثواب أو التخلص من العقاب أو بقصدهما معا وبينهما مراتب أخر كما ستعرفه ولا ريب أن قصد التقرّب ليس عنوانا في الشّرع حتّى يتبع وروده فيه بل مدار اعتباره على صدق الامتثال عرفا لأن سند اعتباره عدم صدقه في العبادات بدونه فإذا فرض حصوله على الوجه الثّاني أيضا فلا يجب اعتبار أمر زيد فيه وعن قواعد الشهيد أن للعبادة ثماني غايات الأولى الرياء ولا ريب أنّه مخلّ بالعبادة الثانية قصد الثواب أو الخلاص من العقاب أو قصدهما معا الثالثة فعلها شكرا لنعم الله الرّابعة فعلها حياء من الله تعالى الخامسة فعلها حبّا لله السّادسة فعلها تعظيما لله السّابعة فعلها موافقة لإرادة الله وطاعة لأمره الثامنة فعلها لكونه أهلا للعبادة ثمّ ادّعى الإجماع على صحّة الأخيرة وأمّا غاية الثواب والعقاب فقد نسب إلى الأصحاب القطع بكون العبادة فاسدة بقصدها ويظهر ضعفه ممّا ذكرناه بعد منع الإجماع على الفساد فيها كيف وهو أيضا لم يدعه كما هو واضح وتحقيق البحث موكول إلى الفقه (قوله) لأن العلم بوجوبه إلخ هذا مبني على ما ستعرفه في الحاشية الآتية من عدم التعرض في أخبار البراءة لجهة العلم من حيث المطلوبية لنفسه أو غيره سواء كان مقتضاها نفي الخطاب أو العقاب فهي إنّما تنفي وجوب ما لم تعلم مطلوبيته للشارع مطلقا (قوله) فإن وجوب الجزء إلخ إن كان المرفوع الحكم التكليفي (قوله) أو أنّ العقاب إلخ إن كان المرفوع المؤاخذة ولعلّ هذا هو الأظهر في معنى النبوي بل وغيره من أخبار البراءة لوضوح عدم دلالتها على نفي الوجوب الواقعي إذ المنساق منها نفي العقاب من جهة المشكوك فيه خاصة دون الوجوب الواقعي اللهمّ إلاّ أن يراد بالوجوب المنفي هذا المعنى لكنّه لا يتأتى في كلام المصنف رحمهالله فإن قلت إن وجوب الأجزاء غيري ولا عقاب على الواجبات الغيرية كما قرّر في مبحث المقدّمة وأشار إليه المصنف رحمهالله في تقرير الدليل العقلي قلت نعم إلاّ أنّ مقتضى هذه الأخبار عدم ترتب العقاب من جهة المشكوك فيه سواء كان لذاته أو لغيره إذ لا تعرّض في هذه الأخبار لجهة العقاب وحيث كان ترك المشكوك فيه سببا لترك الأكثر وسببا لترتب عقاب الأكثر على تقدير وجوبه في الواقع فالأصل ينفيه مضافا إلى إمكان دعوى ترتب العقاب على ترك الجزء من حيث خصوص نفسه كما سيذكره فإن قلت نعم إلاّ أنّ نفي وجوب المشكوك فيه بالمعنى المذكور لا يثبت كون الواجب هو الأقل حتّى يقنع العقل به في مقام الامتثال إلاّ على القول بالأصول المثبتة قلت إن المحرّك للعقل إلى امتثال الأحكام الشّرعيّة ليس هو طلب الشّارع من حيث هو بل المحرك له إليه هو القطع بالعقاب أو الخوف منه وحيث فرض عدمه في ترك الأكثر لأجل الأخبار فالعقل يقنع بالإتيان بالأقل إمّا للإجماع على وجوب الإتيان به أو لخوف العقاب في تركه بل القطع به للعلم بترتبه على تركه إمّا من جهة نفسه أو لغيره فإن قلت إنّ ترتب العقاب على تركه من جهة كونه سببا لترك الأكثر منفي بالأخبار كما عرفته وإمّا من جهة نفسه فهو أيضا غير معلوم فالأخبار تنفي العقاب من هذه الجهة أيضا فمقتضاها حينئذ جواز المخالفة القطعية الّتي دلّت هذه الأخبار بمفهومها على عدم جوازها لأن مقتضاه عدم وضع الأمر المعلوم المردد بين الأقل والأكثر فهي كما لا تجري في المتباينين لأجل هذه العلة كما صرّح به المصنف رحمهالله هناك كذلك لا تجري هنا أيضا قلت أولا أنّ عدم جريانها في المتباينين لما ذكر إنّما هو لأجل عدم المتيقن منهما في البين والأقل هنا متيقن الوجوب بالإجماع كما عرفت وثانيا أن الأخبار إنّما تدل على عدم ترتب العقاب على ترك الأكثر المسبّب عن ترك الجزء المشكوك فيه دون الأجزاء المعلومة الاعتبار إمّا في الأكثر أو الأقلّ لأن ترتب العقاب على تركها معلوم إمّا من جهة نفسها أو غيرها فلا تشملها الأخبار لا محالة ويوضح جميع ما ذكرناه أنّ المولى إذا أمر عبده بمركب ذي أجزاء وبيّن له عدّة أجزاء منها وبقي للعبد شكّ في اعتبار جزء آخر فيه لكن المولى صرّح بعدم مؤاخذته له بترك الجزء الّذي شك في اعتباره فيه لا من جهة نفسه ولا من جهة غيره لا يشكّ العقلاء في وجوب الإتيان بما علم من الأجزاء وقبح مؤاخذته على ترك ما شك فيه إن كان مراد المولى في الواقع هو الأكثر وبالجملة أنّه لا حاجة في تحقق الامتثال في الظاهر على تعيين كون المكلّف به هو الأقلّ ومن هنا يسقط ما ذكره صاحب الفصول بعد المنع من جريان الأصل هنا نظرا إلى كونه مثبتا كما عرفته في بعض الأسئلة المذكورة قال نعم لا يبعد دعوى مساعدة جملة من أخبار الباب على أصالة عدم زيادة المشكوك فيها في المقام لا باعتبار حجب العلم أو عدم العلم بالتكليف بالمشكوك فيه ليتوجّه عليه عدم الحجب فيه بالنّظر إلى الظاهر تحصيلا ليقين البراءة كما في سائر الأحكام التكليفيّة الظّاهريّة بل باعتبار دلالتها على نفي الجزئيّة والشّرطيّة ممّا شكّ في جزئيّته أو شرطيته من حيث حجب العلم عنها ظاهرا وواقعا إذ ليس في وجوبها من باب المقدّمة تحصيلا ليقين البراءة دلالة على إتيان الجزئيّة أو الشّرطيّة للواجب مطلقا فإذا ثبت بعموم الرّوايات المذكورة سقوط اعتبار الجزئيّة أو الشّرطيّة في الظاهر حصل العلم بالبراءة بدونه في الظّاهر فيسقط اعتبار كونه مقدّمة وهل هذا إلاّ كسقوط اعتبار الجزئيّة ممّا عدا الأركان في حقّ النّاس وشرطيّة بعض الشّرائط كطهارة البدن واللّباس بالنسبة إلى الجاهل وسيأتي لهذا مزيد