أن قبح التكليف المجهول من دون بيان كما ألجأنا إلى عدم تسليم ثبوت التكليف بنفس الأمر فيما نحن فيه كذلك السّبب والباعث لاكتفائنا بالظنّ في امتثال مطلق الأحكام وعدم تسليمنا لثبوت التكليف بنفس الواقع على ما هو عليه المقتضي لوجوب تحصيل القطع بالواقع في مقام الامتثال هو ذلك سيما في أمثال زماننا الّذي كثر فيه الاشتباه في الأحكام الواقعيّة ومتعلقاتها وهذا على المذهب الحقّ لأهل الحقّ من التخطئة إمّا لعدم تأتي القول بقبح الخطاب بالمجمل وتأخير البيان عن وقت الحاجة في الأحكام الواقعية على القول بالتّصويب كما هو واضح وإمّا لأن أهل التّصويب كلّهم أو جلّهم من الأشاعرة النافين لإدراك العقل حسن الأشياء وقبحها ولا وجه للاستناد إلى قبح الخطاب بالمجمل على مذهبهم في نفي تعلّق التّكليف بالواقع على ما هو عليه فلا يرد حينئذ استدراك قوله على مذهب أهل الحق إلى آخره بتقريب أن يقال إنّه لا دخل للقول بالتخطئة والتّصويب في نفي تعلق التكليف بالواقع على ما هو عليه وعدمه ولا يترتب على ذلك أثر بالنّسبة إلى قبح تأخير البيان بل المناسب لنفي التكليف بالواقع وكفاية الظنّ في مقام الامتثال هو القول بالتخطئة لابتنائه على نفي الأحكام الواقعيّة وكون ما ظنّه المجتهد هو حكم الله الواقعي هذا غاية توضيح المقام وهو بعد لا يخلو من نظر لأنّ اختلاف القائلين بالتخطئة والتّصويب إنّما هو في الموارد الخالية من النّصّ لاتفاق الفريقين على القول بالتخطئة في موارده فإطلاق القول بها أو بالتّصويب أجنبي عن قضيّة تعلق التكليف بالواقع وقاعدة قبح تأخير البيان بل على مذهبنا قد ورد النّص عن النّبي صلىاللهعليهوآله والأئمة عليهمالسلام في جميع الوقائع حتى أرش الخدش كما ورد في أخبارنا الّتي ادعي تواترها (قوله) إذ لا إجمال في الخطاب إلخ يعني بالنسبة إلى المشافهين بهذا الخطاب إذ الإجمال إنّما طرأ بالنّسبة إلينا لأجل بعض الأمور الخارجة ولا يجب على الإمام عليهالسلام إزالة هذا الإجمال إذ اللاّزم حينئذ هو الرّجوع إلى القواعد المقررة من جهتهم في موارد الشّبهة ومع فقدها إلى الأصول والحاصل أنّ القبيح هو الخطاب بما كان مجملا بالذات لا بما طرأ عليه الإجمال بعد الخطاب وفهم المراد منه بالنسبة إلى من شارك من خوطب به في مؤدّاه (قوله) مع أن التكليف بالمجمل إلخ حاصله منع قبح الخطاب بالمجمل مطلقا وإن كان إجماله ذاتيا أيضا وتوضيحه أنّ التكليف بالمجمل يتصوّر على وجوه أحدها أن يتعلق التكليف بالواقع من دون علم المكلف به ولا تمكّنه من الوصول إليه ولو بالاحتياط مثل أن يقول ائتني بشيء وأراد به شيئا معيّنا في الواقع وثانيها أن يتعلق التّكليف بالواقع وكان المكلّف متمكنا من تحصيل العلم به بالاحتياط لا على وجه التفصيل بأن قال أكرم بعض هذه الجماعة من العلماء وأراد واحدا معيّنا من العشرة ولكن كان الغرض من الخطاب هو الإطاعة التفصيليّة دون الإجماليّة وثالثها كسابقه إلاّ في عدم تعلق الغرض بالإتيان بالواقع بالإطاعة التفصيلية بأن كان المقصود من الخطاب الإتيان بالواقع ولو بالاحتياط والمسلم من قبح الخطاب بالمجمل من دون بيان عند الحاجة هو القسمان الأوّلان وإلاّ فلا ريب في صحّة الخطاب على الوجه الأخير كما حكي التصريح به عن جماعة من أواخر المتأخرين منهم الوحيد البهبهاني قدسسره (قوله) ففيه أنّه إذا كان إلخ ظني أن ما ذكره المحقق القمي رحمهالله من فرض وقوع التكليف منجزا غير مشروط بالعلم إنّما هو على سبيل الفرض ومع قطع النظر عن قبح الخطاب بالمجمل كما يومي إليه قوله نعم لو فرض وقوله من أين هذا الفرض وأنّى يمكن إثباته ومقصوده أنّه لو فرض وجود هذا الأمر المحال كان الاحتياط واجبا وأنّى يمكن إثباته ثمّ إنّ المفروض ثبوت وجوب الشيء لا حصول الإجماع أو ورود النّص عليه فكأنّه قال إذا فرض ثبوت هذا الوجوب بدليل من إجماع أو نصّ كان الاحتياط واجبا وإن كان هذا الوجوب لأجل استلزامه المحال محالا فلا يرد حينئذ أنّه إذا كان الوجوب المذكور محالا لأجل استلزامه تأخير البيان عن الحاجة لا يمكن قيام دليل شرعي عليه إذ القبيح لا يصير حسنا بقيام دليل شرعيّ عليه بل قيام الإجماع الذي هو من الأدلّة القطعيّة عليه محال والفرق بينه وبين ما أورده المصنف رحمهالله واضح إلا أنّ شيئا منهما غير وارد بعد ما عرفت (قوله) كان ذلك اعترافا إلخ يعني اعترافا بعد إنكاره أوّلا(قوله) غير معقول إلخ لاستلزامه الدور(قوله) وأمّا ما ذكره من استلزام ذلك إلخ ظاهر المحقق القمي رحمهالله كون سقوط قصد التعيين محذورا مانعا من تعلق التكليف بالواقع نظرا إلى اشتراط صحة العبادة به فمع تعلق التّكليف بالواقع ينتفي شرط صحّتها ويرد عليه أوّلا عدم اختصاص محلّ الكلام بالتعبديات ولا ريب في عدم اشتراط قصد التّعيين في التوصليات وثانيا منع اشتراطه ولذا قلنا بصحّة عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد وثالثا منع اشتراطه فيما لا يمكن فيه تعيين الواقع إذ لم يقل به أحد فيما أعلم ورابعا أن سقوط قصد التعيين إنّما حصل بمجرّد التّردد والإجمال في الواجب سواء قلنا فيه بالاحتياط أو البراءة كما أوضحه المصنف ره (قوله) قصد التعيين إلخ يعني تعيين المأمور به الواقعي وإلاّ فالتّعيين في الظّاهر ممكن على القول بالبراءة بل على القول بالاحتياط أيضا على أحد وجهي قصد التقرب (قوله) له في ذلك طريقان إلخ الأوّل مبني على كون الأمر بالاحتياط في نظائر المقام شرعيّا إذ يصحّ حينئذ أن يقصد التقرب بكل من المشتبهين لصيرورتهما مأمورا بهما بعد تعلّق الأمر الشّرعي بهما والثّاني مبني على كون الأمر به إرشاديا عقليّا كما هو الأظهر ولذا أورد المصنف رحمهالله على الأوّل بما أورده من الوجهين والوجه فيه أنّ نفس الاحتياط طريق إطاعة لما هو واجب في نفس الأمر ولا يمكن تعلق الأمر الشّرعي بما هو طريق الإطاعة والامتثال وإلاّ لافتقر هذا الأمر أيضا إلى أمر شرعي آخر فيدور أو يتسلسل ومن هنا حمل الأمر في قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) على الإرشاد الّذي لا يترتب عليه أثر سوى ما يترتب على نفس الواقع فمرجع الأمر بالاحتياط هو الإرشاد إلى ما فيه من مصلحة المكلف وهي الائتمان بإتيان المشتبهين من خطر مخالفة الواقع وهذا الأمر بمجرّده لا يصلح أن يقصد به التقرب لأنّ حصول التقرّب بالعبادة إنّما هو باعتبار حسنها الّذي هو منشأ الأمر بها ولا حسن في المقدّمة العلميّة إلا مجرّد التوصل بها إلى الواقع وهو بمجرّده لا يحصل به التقرب كما صرّح به المصنف رحمهالله وبما فيه من الدقة ولذا ضعّفنا ما جعلوه ثمرة لوجوب المقدّمة من صحّة قصد الطاعة بالمقدّمة فيما يعتبر فيه ذلك كما فيما نحن فيه من مثال الظّهر والجمعة والقصر والإتمام ووجه الضّعف واضح وممّا ذكرناه يظهر أيضا أن قصد الوجه المعتبر في العبادة لا يصحّ في المقام بقصد الوجوب العارض للمشتبهين