على عدم اعتبار قول العدل في مقام الشّهادة إذا لم يكن مورثا للظنّ ففي الأحكام بطريق أولى فتأمل وأمّا الثّاني ففيه وجهان من كون ورود الكلام في مقام التقيّة والخوف خلاف الأصل والظّاهر لأنّ الظّاهر من حال المتكلّم سيّما المنصوب من قبل الله تعالى لتبليغ الأحكام الواقعيّة هو بيان المراد الواقعي لا إيراد الكلام لغرض آخر مضافا إلى بناء العقلاء عليه ولذا يحمل السّامع الأقارير والوصايا على بيان الواقع وإن لم يكن مخاطبا بالكلام بل سامعا من وراء الحجاب ومن أنا قد علمنا إجمالا بصدور كثير من الأخبار عن الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم في مقام التقيّة والاضطرار وبوجودها في الأخبار الموجودة بأيدينا اليوم فلا بد حينئذ من اعتبار الظنّ بذلك وإلاّ سقط جميعها عن درجة الاعتبار لاحتمال ذلك في كلّ واحد منها وهو واضح البطلان والأقرب هو الوجه الأوّل لمنع العلم الإجمالي بعد إفراد الأخبار المعلومة الصّدور في مقام التقيّة من بينها بوجود خبر واحد ممّا ورد في مقام الخوف والتقيّة فيما بقي منها بأيدينا اليوم ومجرّد احتماله فيها أو الظنّ به في مورد بسبب الأمارات الخارجيّة لا يوجب ترك العمل بها لاندفاعه بما عرفت من الأصل والظّاهر وبناء العقلاء وأمّا الثّالث فالحق عدم صلوح الأمارات المشكوكة الاعتبار للتوهمين بحسب الدّلالة لأنّ اعتبار ظواهر الألفاظ إمّا من باب الظّهور العرفي المفيد للظنّ النّوعي والتعبّد العقلائي وحصول الظنّ من الأمارات المشكوكة الاعتبار بخلاف ما أفادته ظواهر الألفاظ لا ينافي شيئا منهما وهو واضح نعم لو قلنا باعتبارها من باب الظنّ الشخصي أو السّببيّة المقيّدة بعدم حصول الظن بخلافها كان الظنّ الحاصل من الأمارات المشكوكة الاعتبار على خلافها موهنا لها بل مسقطا لها عن درجة الاعتبار إلاّ أنّه لم يظهر قول محقّق بالاحتمالين المذكورين هذا كلّه إذا تبيّنت جهة التوهّمين بأن علم أنّ عمل المشهور بخلاف الخبر لسقم عندهم إما في خصوص مسنده أو في وجه صدوره أو دلالته وأما إذا اشتبهت هذه الجهات كلاّ أو بعضا فهنا صور أربع أحدها التباس الأمر من الجهات الثلاث الثانية دوران الأمر بين كون المتوهمين من جهة السّند أو الدّلالة الثالثة دوران الأمر بين كون المتوهمين من جهة السّند ووجه الصّدور الرّابعة دوران الأمر بين كونه من جهة الدّلالة ووجه الصدور والحقّ فيما عدا الأخيرة منها كونها موهنة للخبر لما عرفت من عدم حجيّته من حيث السّند في مقابل الأمارات المورثة للظنّ بخلافه على جميع الأقوال في اعتبار الأخبار من باب الظّنون الخاصّة ومع اشتباه حال عمل العلماء بخلاف الخبر واحتمال كون إعراضهم عنه من جهة سقم في سنده لم يثبت مقتضى العمل به لكون النّتيجة تابعة لأخسّ مقدّماتها وأمّا الأخيرة فالحقّ فيها عدم صلوحها للتّوهين لما عرفت من عدم صلوحها بحسب كلّ من الدّلالة ووجه الصّدور فكلّ من طرفي الشبهة لا يقدح في الأخذ بالخبر المقابل للشّهرة مثلا المحتملة للجهتين (قوله) مدفوع لأنّ حرمة العمل بالظنّ كما قرّر في محل آخر إمّا من باب حرمة التّشريع والتّدين بغير العلم وإمّا لأجل مخالفة الأصول وشيء منهما غير لازم في المقام لفرض عدم العمل في مؤدّى الأمارة غير المعتبرة في المقام وإن سقطت الأمارات المزاحمة بها عن الحجيّة بسبب مزاحمتها (قوله) ويمكن أن يحتجّ لذلك إلخ يمكن أن يحتجّ له أيضا بوجه آخر وهو أنّه لا ريب في ثبوت التّخيير بين الخبرين المتعارضين المتساويين وإذا فرض موافقة أحدهما للقياس جاء احتمال تعيّن الأخذ به فيدور الأمر حينئذ بين التّعيين والتّخيير والمقرّر في محلّه أنّ المتعيّن بمقتضى قاعدة الاشتغال هو وجوب الأخذ بمحتمل التّعين ويرد عليه أنّ العمل بالأصل إنّما هو فيما لا دليل على خلافه وما دلّ على كون وجود القياس كعدمه دليل على خلافه (قوله) بعد الفراغ عن المرجّحات بحسب السّند إلخ لا يذهب عليك أنّ المتعارضين بالعموم من وجه إن كانا موردين لملاحظة المرجحات السّندية فيها ولا وجه للحكم بالإجمال في مادة التعارض والرجوع فيها إلى مقتضى العمومات والأصول لأنّ مقتضى ملاحظة المرجّحات السّنديّة هو الحكم بالتّخيير مع فقدها وإن كانا مجملين بالنّسبة إلى مادة التعارض حتّى يصحّ الحكم بوجوب الرّجوع فيها إلى مقتضى العمومات والأصول فلا وجه حينئذ لملاحظة المرجّحات السّندية لأن موردها المتعارضان على وجه التباين وبالجملة أن المتعارضين بالعموم من وجه إن كانا في حكم المتباينين فالمتجه حينئذ هو الرّجوع إلى المرجّحات السّندية ومع فقدها فالتّخيير وإن لم يكونا في حكمهما بأن كانا مجملين بالنّسبة إلى مادّة التعارض فالمتّجه حينئذ هو الرّجوع فيها إلى مقتضى العمومات والأصول من دون ملاحظة التّرجيح بحسب السّند أصلا كما سيجيء في خاتمة الكتاب (قوله) وهو ترجيح السّند إلخ لا يخفى أنّ الكلام في المقام مبني على مقدّمتين أشار إليهما المصنّف رحمهالله الأولى أنّ الخلاف في جواز ترجيح السّند بمطلق الظنّ إنّما هو على القول باعتبار الأخبار من باب الظن النوعي أو التعبّد لا على سائر الأقوال الثّانية أن التّرجيح بحسب السّند تارة بحسب الصّدور وأخرى بحسب المضمون بأن يظنّ من أمارة خارجة كون مضمون أحد الخبرين المتعارضين مطابقا للواقع وأن لم يحصل منها الظنّ بصدور ألفاظه عن الإمام عليهالسلام والمرجّح أيضا إما داخل أو خارج والمراد بالأوّل ما يرجع إلى السّند ويعطي الخبر قوّة من حيث الصدور عن المعصوم عليهالسلام مثل الأعدليّة والأوثقية والأورعيّة وعلوّ السّند وكون الخبر واردا بطرق مختلفة فإذا وجدت في أحد الخبرين المتعارضين إحدى هذه الزّيادات يرجح صاحب الفضيلة على فاقدها مع فرض استجماعه لشرائط الحجيّة بأن كان راويه عدلا والآخر أعدل والتّرجيح بذلك لا يحتاج إلى تجشم الاستدلال عليه لأنّه إذا دلّت آية النبإ على اعتبار خبر العادل فهي بنفسها تدلّ على جواز الترجيح بالأعدليّة وغيرها مما تقدّم لكون اقتضائها لاعتبار ذي الفضيلة المذكورة أقوى من الفاقد لها وذلك لأنّا إذا قلنا باعتبار خبر العادل فله جهة موضوعيّة لأن جعل الشّارع له طريقا لامتثال أحكامه لا بدّ فيه من ملاحظة وجود مصلحة فيه فتدارك بها مصلحة الواقع على تقدير تخلّفه عنه وجهة مرآتية إلى الواقع لأجل بعد احتمال الكذب فيه بالنّسبة إلى خبر الفاسق فإذا انضاف إليه وصف زائد على ما تقدّم تقوت جهة صدوره عن المعصوم فيتقوّى بذلك اقتضاء الدّليل الدّال على اعتباره ومع الغضّ عن ذلك فإجماعهم منعقد حتى من الأخباريين على جواز الترجيح بالمرجحات