أقوى من الظنّ الحاصل فإن قلت كيف تدعي الإجماع على عدم جواز التجزئة بين الأسباب بقوّة الظنّ الحاصل منها وضعفه وعادة قدماء الأصحاب جارية على العمل بالأخبار الموثوق بالصّدور سواء كانت صحيحة على اصطلاح المتأخرين أم ضعيفة وتنويع الأخبار على أنواعها الأربعة إنّما حدث في زمان العلاّمة ولذا قال الأمين الأسترآبادي في حقه ما قال غفلة عن الغرض الذي دعا العلاّمة إلى ذلك فإنّه لما رأى انطماس القرائن وخفاءها بمرور الأيّام فأراد ضبط ما تيسّر منها بحسب الإمكان قلت إنّ هذا إنّما هو بالنسبة إلى خصوص الأخبار وإلاّ فالبناء على الأخذ بالظنّ القوي من أيّ سبب حصل وإن كان هي الشّهرة في مقابل الخبر الصحيح الأعلى كما هو مقتضى الترجيح بالقوة لم يقل به أحد من الأصحاب فتأمّل (قوله) لأن القوة والضّعف إضافيان إذ لا ريب أنّ مراتب الظنون مختلفة في الغاية لأنّ بين أولى مراتب الرّجحان الّتي هي أولى مراتب الظن وأخرى مراتبه مراتب كثيرة وحينئذ إن أريد بالقوّة مطلقها فلا ريب أنه غير منضبط لكون القوة والضّعف من الأمور الإضافية فكل مرتبة من المراتب الواقعة بين المرتبة الأولى والأخيرة قوية بالنّسبة إلى ما قبلها وضعيفة بالنسبة إلى ما بعدها فمثل ذلك لا يصلح للتّرجيح عند العقل بل عند الشّارع أيضا وإن أريد منها مرتبة خاصّة فهي غير متعينة اللهمّ إلاّ أن يريد مرتبة الاطمئنان ولكنّها وإن كانت منضبطة ومعيّنة إلاّ أنّها غير وافية بإتمام الفقه إذ لا بدّ حينئذ من طرح أكثر الأخبار الذي لا يفيد الاطمئنان بالواقع وإن كان موثوقا بالصّدور مع علمنا بمطابقة كثير منها للواقع والإنصاف أن دعوى قلّة وجود الأمارات المفيدة للظن الاطمئناني وعدم كفايتها في الفقه لا تخلو من نظر لأنّ المراد بالظنّ الاطمئناني ليس هو الظنّ بنفس الحكم الواقعي لندرته في الأحكام إذ الشّهرة والإجماع المنقول وظاهر الإجماع ونحوها ممّا يفيد الظنّ المتاخم للعلم قليلة جدّا والعمدة في ذلك هي الأخبار والعمل بها موقوف على إعمال أصول التعبّدية في المتن والسّند ووجه الصّدور لاحتمال الزّيادة والنّقصان والتحريف واختفاء القرائن في المتن واحتمال الإرسال والتّعليق والتّدرج ونحوها من الاحتمالات الموهنة للظن في السّند واحتمال التقية في وجه الصّدور ولا ريب أنّ هذه الاحتمالات لا تندفع إلاّ بأصول تعبّدية ومع ملاحظتها كيف يحصل الظنّ الاطمئناني بالحكم الواقعي فلا يمكن أن يكون المقصود من إعمال دليل الانسداد إثبات اعتبار الظن بالحكم الواقعي مطلقا بل المقصود منه إثبات اعتبار الظنّ من الجهة الّتي وقع الشك في اعتباره من هذه الجهة وهي مختلفة بحسب الأمارات وذلك لأنّ الشّكّ في اعتبار الشّهرة والإجماع المنقول وظاهر الإجماع ونحوها ليس من جهة احتمال الكذب أو التقيّة في قول العلماء رأيي كذا ولا من جهة احتمال إرادة خلاف الظاهر في كلامهم بل من جهة احتمال تخلّف الظنّ الحاصل من اجتماع فتاوى معظم العلماء بالحكم الواقعي عن الواقع فالمقصود من إعمال دليل الانسداد إثبات اعتبار هذا الظن وكذلك الشّكّ في اعتبار الأخبار ليس من جهة الدّلالة أو التقيّة في الصّدور أو احتمال السّقط والتحريف في المتن أو نحو ذلك لانتفاء احتمال جميع ذلك بالأصول المجمع عليها بل من جهة الشّكّ في صدور الخبر عن الإمام عليهالسلام لأجل احتمال كذب الرّاوي فالمقصود من إعمال دليل الانسداد بالنّسبة إلى الأخبار هو إثبات اعتبارها بحسب السّند والصّدور عن الإمام عليهالسلام ولا ريب أنّ الأخبار الموثوقة بالصّدور كثيرة لأنا لو لم نقل بقطعيّة الأخبار المودعة في الكتب الأربعة كما زعمه الأخباريّون فلا أقل من الوثوق بصدورها عن الأئمّة الأطهار عليهمالسلام كما شهد به العلماء فدعوى عدم كفاية الأمارات المفيدة للاطمئنان ممّا لا ينبغي الإصغاء إليه نعم يرد عليه ما أورده المصنف رحمهالله من منع كون القوّة معينة للقضيّة المهملة المجملة إذ بعد فرض اعتبار الظنّ من باب الكشف دون الحكومة لا يستحيل كون الحجّة عند الشّارع غير القوي من الظنون سيّما بعد ما ثبت من اعتباره الأمارات التعبديّة الموهومة أو المفيدة للظن الضّعيف غالبا كاليد والسّوق ونحوهما اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ العقل كما يكشف بعد ملاحظة مقدّمات دليل الانسداد عن اعتبار الظنّ وكونه حجّة شرعيّة في الجملة عند الشّارع ولا يجوز كون المرجع عنده بعد الانسداد أمرا آخر من التّقليد أو الاستخارة أو نحوهما كذلك يكشف عن رضا الشّارع بتعيّن ما هو الحجة عنده بقوّة الظنّ لكون الأقوى أولى بالاعتبار
من الضّعيف كما يظهر من صاحب المعالم حيث قال إنّ العقل قاض بأنّ الظّنون إذا كان لها جهات متعدّدة متفاوتة بالقوة والضّعف فالعدول عن القوي منها إلى الضّعيف قبيح انتهى ويدفعه أنّ العقل لو استقل برضا الشّارع بالترجيح بالقوّة لاستقل برضاه بالعمل بالظنّ مطلقا لكون مطلق الظنّ أقوى بالنّسبة إلى الوهم والشّكّ وهو خلاف المفروض من إهمال النتيجة(قوله) بل أولويته إلخ لعدم استقلال العقل بوجوب إحراز المصالح الواقعيّة مع التمكّن منه حتّى يستقل بترجيح ما هو أقرب إلى إحرازها عند عدم التّمكن من إحرازها على سبيل اليقين نعم هو مستحسن عند العقل لا واجب فإن قلت كيف تنكر ذلك والمصالح والمفاسد الكائنتان منشآن لإلزامات الشّارع وباعثتان لحكمه على الأفعال بالوجوب والحرمة قلت نمنع كون تلك المصالح والمفاسد علّة تامّة لحكم الشّارع لاحتمال كونها من قبيل المقتضي دون العلّة التّامة بأن كانت هي مع إرادة الشّارع أو غيرها ممّا لا نعلمه علّة تامّة للحكم كيف ولو كانت هي من العلل التّامّة لوجب الاحتياط في الشبهات البدوية كما هو واضح (قوله) يشبه التّرجيح إلخ بل هو راجع إليه بنوع من الاعتبار لأنّ الظنّ بالواقع كما إنّه كلما قوي قوي الظنّ بالبراءة كذلك الظن المظنون الاعتبار يستلزم ظنّا أقوى بالبراءة من الظنّ المشكوك الاعتبار ولا ريب أن حكم العقل بجواز العمل بالظن بالواقع إنّما هو لأجل استلزامه الظنّ بالبراءة فكلّما قوي الظنّ بها كان أولى بالترجيح (قوله) بل بما ظنّ حجيّته أي بأمارة مظنونة الاعتبار بظن ظن اعتباره أيضا لأنّه بعد البناء على التّرجيح بالقوّة فهي أقوى من أمارة مظنونة الاعتبار بظن مشكوك الاعتبار(قوله) بحجيّة أمارة على الإطلاق يعني حتّى