كالنافلة المبتدئة عند طلوع الشّمس من أن النهي وإن كان مانعا من تعلق الأمر بها إلاّ أنّ ذلك لأجل قصور في الطّلب عن الشّمول المثل ذلك وهو لا ينافي حسن الفعل من حيث هو وهذا كاف في صيرورة العبادة عبادة وفي صحّة التقرب بها وحينئذ نقول فيما نحن فيه أيضا أنّ القبيح عقلا هو الأمر بما يوجب اختلال النّظم لا كون ما يوجب الاختلال حسنا في نفسه وكلّ حسن لا يجب تعلق أمر الشّارع به لأنّ ذلك أنّما هو مع عدم المانع ولزوم الاختلال أو اجتماع الضّدين مانع منه هنا ومنها ما يدلّ على مطلوبية الفعل وكونه مأمورا به إلاّ أنّ دلالته على مطلوبيته بحسب الأزمان أنما هي بحسب الإطلاق الأحوالي الرّاجع إلى العموم الاستغراقي من باب السّراية أو دليل الحكمة مثل قوله عليهالسلام تنقل ولا ريب أن دلالته على مطلوبية الطبيعة في ضمن جميع الأفراد من باب السّراية أو الحكمة أنّما هي مع عدم المانع من مطلوبية بعض الأفراد وقد عرفت أنّ لزوم الاختلال أو اجتماع الضّدّين مانع منه فيما تحقق فيه أحد الأمرين وحينئذ نقول إنّ مطلوبية المستحبّات أنّما هي مع عدم لزوم أحد الأمرين لا معه ومنها ما يدلّ على مطلوبيّة الفعل في كلّ زمان على سبيل العموم الأفرادي مثل ما دل على استحباب ركعتين في كلّ زمان يسعهما واستحباب الصّوم في كلّ يوم وحينئذ يشكل الأمر فيما يستلزم الاختلال أو الأمر بالضّدّين إلا أنا نقول لا بد حينئذ من التّصرّف في هذه الأوامر بحملها على ما لا يوجب أحد الأمرين إمّا بحملها على الإرشاد إلى كون الأفعال الّتي تعلّقت بها هذه الأوامر حسنة في نفسها فيدخل هذا القسم حينئذ في القسم الأوّل الّذي عرفت عدم استلزامه الأمر بما يوجب الاختلال أو الأمر بالضّدين وإمّا بحمله على الاستحباب التخييري بالنّسبة إلى ما يستلزم الاختلال وتقييدها بما لا يستلزم ذلك فإن قلت سلمنا عدم الأمر في المندوبات لأحد المحذورين إلاّ أنّ استلزام هذه الأوامر للعسر ممّا لا مناص عنه كما يشهد به ملاحظة كثرة الأدعية المأثورة وسائر المندوبات قلت نمنع ارتفاع العسر في المندوبات وتوضيح ذلك أنه لا ريب أنّ العقل لا يقبح التكليف بالعسير إلاّ إذا بلغ حدّا يستلزم خلاف اللّطف كقطع الأعضاء عند إصابة النّجاسة أو ما دون ذلك في الجملة لأنّ ذلك ربّما يؤدّي إلى المخالفة والعصيان من كثير من النّاس وهو خلاف اللّطف وما ثبت من عموم رافعة وأمّا الإجماع فلم يثبت في المقام وأمّا الأخبار فليس مساقها إلاّ كمساق الآيات فنقول إنّ قوله تعالى (لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) يحتمل وجوها أحدها أن يكون عدم إرادته سبحانه كناية عن إرادته عدم التّكليف العسير فالآية حينئذ تدل على مبغوضيّة التكليف العسير لله تعالى وثانيها أن يكون عدم إرادته عبارة عن عدم محبوبيّة الفعل العسير لله تعالى وهذا لا ينافي إباحة الفعل في نفسه وثالثها أن يكون عدم إرادته عبارة عن عدم مطلوبية الفعل العسير مطلقا سواء كانت على وجه الإلزام أو الاستحباب وهو لا ينافي محبوبية الفعل أو إباحته ورابعها أن يكون عدم إرادته عبارة عن عدم مطلوبية الفعل إلزاما وهو لا ينافي استحبابه وعلى ما عدا الوجه الأخير تنفي الآية العسر في المندوبات أيضا ولكنّ الظّاهر أنّ المراد هو الوجه الأخير إذ لو كانت الآية شاملة للمندوبات ونافية للعسر عنها أيضا لزم تخصيص الأكثر في أدلة المندوبات لأن أكثر أفراد المندوبات مستلزم للعسر وهو بعيد كما ينبئ عمّا ذكرناه قوله صلىاللهعليهوآله لو لا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسواك ويؤيّده أيضا أنّ المنساق من أدلة نفي العسر هو المنة على العباد بعدم إلزامه تعالى لهم بالتكاليف الشّاقة العسيرة ولا إلزام في المندوبات والله الهادي إلى الصّواب (قوله) إلغاء الحقوق الواجبة كما إذا علم بكونه مديونا لأحد شخصين من دون تعيين فإلغاء الاحتياط والاستناد إلى أصالة البراءة بالنسبة إلى كلّ منهما يوجب إلغاء حقّ واجب (قوله) مع قطع النّظر إلخ يعني إذا لوحظ كلّ واقعة في نفسها مع قطع النّظر عن العلم الإجمالي بوجود واجبات ومحرّمات واقعيّة النّاشئ من انسداد باب العلم في غالب الأحكام (قوله) في نفس الواقعة مع قطع النّظر عن انضمامها إلى غيرها من الوقائع المشتبهة(قوله) نعم من لا يوجب هذا مقابل لقوله إن أريد إلخ وهو في المعنى مغن عن ذكر أحد شقي الترديد وكأنّه قال إن أريد أنّه لا دليل على وجوب الاحتياط في الوقائع المشتبهة مع قطع النظر عن العلم الإجمالي بوجود واجبات ومحرّمات واقعية فيها فهو خلاف الفرض وإن أريد عدم وجوبه مع ملاحظته فهو ضعيف كما قرّره المصنف رحمهالله في أوّل المقدّمة وإن كان القائل بذلك على تقدير تسليمه مستريحا عن كلفة الجواب عن وجوب الاحتياط في المقام ومن القائلين بذلك هو المحقّق القمي رحمهالله حيث زعم أنّ العلم الإجمالي بوجودها فيها أنّما يوجب الخروج من المخالفة القطعيّة لا تحصيل الموافقة القطعيّة ولذا ذهب في الشبهة المحصورة إلى جواز الارتكاب إلى أن يبقى عن أطرافها مقدار يقطع بارتكابه بارتكاب الحرام والخروج من المخالفة القطعيّة يحصل بالعمل بالظنون المطابقة للاحتياط فيرجع في الموهومات والمشكوكات إلى أصالة البراءة ولا يرد عليه ما أورده المصنف رحمهالله في المقدّمة الثّانية على القول بالرّجوع في الوقائع المشتبهة إلى أصالة البراءة من لزوم الخروج من الدّين لأنّ ذلك مع الرّجوع إليها في جميع الوقائع المشتبهة لا مع التبعيض فيها كما هو لازم هذا القول وعلى كل تقدير فعلى القول بكون العلم الإجمالي موجبا للخروج من المخالفة القطعيّة لا تحصيل الموافقة القطعيّة يكون نفي الاحتياط الكلّي وجواز العمل بالظنّ بعد الانسداد وبقاء التكليف على طبق القاعدة بل مقتضاه جواز العمل بالظنّ في كلّ مسألة انسد فيها باب العلم وإن كان مفتوحا في غيرها وأمّا القول بأنّ الخروج من المخالفة القطعيّة لا يوجب العمل بجميع الظنّون فهو كلام آخر لا دخل له فيما نحن بصدده لأنّ الكلام في المقام أنّما هو في نفي وجوب الاحتياط الكلّي وهو متجه على هذا القول وأمّا كون المتجه بعده هو العمل بجميع الظنّون أو بعضها فهو أمر آخر سيجيء الكلام فيه (قوله) تارك طريقي إلخ ولو كان الترك بالعمل بالاحتياط (قوله) إنّ معرفة الوجه ممّا يمكن إلخ ربّما يتمسك في نفي وجوب معرفة الوجه وقصده عند العمل بأصالة البراءة لا يقال إنّ أصالة البراءة عند الشكّ في الأجزاء والشرائط أنّما تجري فيما كان الشك في جزئيّة شيء أو شرطيّته للمأمور به لا لامتثال الأمر وكيفية إطاعته وإلاّ فالمحكم فيه أصالة الاشتغال وإذا ترى أنّ المشهور مع ذهابهم إلى أصالة البراءة