استند في حجيّة البراءة في المقام إلى حكم العقل دون الأخبار حتّى يدعي ظنّيتها ولا إلى الإجماع كي يمنع في المقام مع ما عرفت من تحققه في المقام والمصنف ره وإن لم يصرّح بالإيراد المذكور إلا أنّه قد نبّه على ذلك بتصريحه بكون مبني البراءة على قبح المؤاخذة بلا بيان وثانيها أنك بعد ما عرفت من كون مبني حكم العقل بالبراءة هو قبح التّكليف بلا بيان ظهر أنّه لا وجه تخصيص قطعيّة أصل البراءة بما قبل ورود الشّرع إذ حكم العقل بذلك حكم قطعي لا اختصاص له بما قبل ورود الشّرع مع أنّ هذا أنّما يناسب التعبير بأصالة الإباحة لأن ذلك من وجوه الفرق بينها وبين أصالة البراءة حيث فرق بينهما باختصاص الأولى بما قبل ورود الشّرع والثّانية بما بعده ويمكن دفع هذا الإيراد بأنّ الظّاهر أن مراد المحقق القمي رحمهالله بالتفصيل بينما قبل ورود الشّرع وما بعده أنّما هو لأجل عدم تحقيق العلم الإجمالي قبل ورود الشّرع لا لأجل خصوصيّة أخرى لما قبل ورود الشّرع وما بعده نعم يرد عليه حينئذ عدم الفرق بينهما قبل الشّرع وما بعده في حصول العلم الإجمالي وعدمه إذ لا يخلو كل زمان من نبي وشرع اللهمّ إلا أن يكون مقصوده بما قبل ورود الشّرع هو قطع النظر عن وروده وثالثها أنّ منع إفادة أصالة البراءة لليقين بعد ورود الخبر الصّحيح على خلافها مما لا محصّل له لأنّ ذلك إن كان مع فرض حجيّة الخبر الصّحيح فهو خروج من محلّ الفرض إذ الفرض عدم ثبوت حجيّة الخبر بعد إذ المقصود في المقام بيان كون المرجع بعد الانسداد الأغلبي هي البراءة أو الظنّ المطلق كيف ولو ثبت اعتبار الخبر الصّحيح لم ينسد باب العلم شرعا وإن فرض انسداده وجدانا وإن كان مع فرض عدم حجيّته كما هو صريح آخر كلامه حيث قال الأخبار والآيات الّتي لم يثبت اعتبارها فهو كما ترى إذ وجود الخبر في قبالها حينئذ بمنزلة احتمال غير معتبر في قبالها فلو لم تكن البراءة حينئذ معتبرة لم يبق لها مورد أصلا(قوله) وبما ذكرنا ظهر إلخ أي من عدم الخلاف بين العقلاء وإنّ من أوجب الاحتياط أنّما أوجبه بزعم وجود البيان (قوله) في المقام أعني صورة الانسداد الأغلبي (قوله) وظهر فساد دفع إلخ توضيح الدّفع أنّه لا إشكال في عدم جواز العمل بأصالة البراءة فيما حصل العلم التّفصيلي بالحكم الواقعي كما أنّه لا إشكال في جواز العمل بها في الشبهات البدوية الخالية من العلم الإجمالي إذ مستندها عقلا وشرعا هو قبح التّكليف بلا بيان ولا ريب في حصول البيان مع العلم التفصيلي وعدمه في الشبهات البدوية وأمّا مع العلم الإجمالي كما في المقام فالمستند إن كان هو الإجماع فهو في محلّ النّزاع أعني ما قام فيه خبر العدل على خلاف البراءة ممنوع كما ذكره جماعة ومنهم صاحب المعالم وإن كان هو العقل فمورده صورة عدم الدليل والبيان ومع وجود الخبر يشك في عدم البيان لاحتمال كونه دليلا وبيانا فلا يبقى مجال للبراءة لاشتراط جريانها بإحراز عدم البيان فلا تجري مع الشك فيه وإن شئت قلت يحتمل اكتفاء الشّارع في البيان بالعلم الإجمالي في المقام فلا تجري البراءة وإن لم يكن هنا خبر أيضا وتوضيح فساد الأوّل قد تقدم عند شرح ما أورده على المحقق القمي رحمهالله وحاصل فساد الثّاني أن جريان البراءة أنما هو مشروط بعدم ثبوت البيان عندنا لا بعدم البيان في الواقع وقد تقدّم توضيحه هناك أيضا وقد يورد على العمل بأصالة البراءة في المقام بأن فيه عدولا عن الظنّ إلى مثله إذ غايتها إفادة الظنّ دون القطع وفيه أن فيه عدولا عن الظن إلى الظنّ مقطوع الاعتبار لا إلى مثله لدلالة الآيات والأخبار عليها مع أنّه إن أريد من إفادتها للظن الظنّ بالحكم الواقعي فهو ممنوع لأنّها أنّما تفيد حكما تعبديّا في مورد الشّكّ على ما هو التّحقيق خلافا لظاهر المشهور وصريح جماعة وإن أريد إفادتها للظن بالحكم الظّاهري فهو كما ترى لأنّها أنّما تفيد العلم به دون الظنّ (قوله) الاعتراض به إلخ بالعمل بأصالة البراءة لا من باب إفادتها للظنّ (قوله) في حاشيته إلخ أي على شرح مختصر الحاجبي (قوله) ففيما انتفي الأمران إلخ أورد عليه المحقق القمي رحمهالله بأنّ ذلك لا ينطبق على مدّعاه إذ المفروض أنّ غسل الجمعة يقيني ولكنّه مردّد بين الوجوب والندب ولا ثالث لهما وما ذكره من الحكم بجواز الترك بأصالة البراءة إن أراد نفي الوجوب مع عدم الحكم بالاستحباب فهو لا يلائم ما ثبت يقينا من الشّرع وإن أراد إثبات الاستحباب فهو ليس إلاّ معنى ترجيح أحاديث الاستحباب على أحاديث الوجوب بسبب الاعتضاد بالأصل وأمّا الحكم بسبب الأصل أنّ الرجحان الثّابت بالإجماع والضّرورة لا يكون إلاّ هو الرجحان الاستحبابي دون الوجوبي فهو لا يتمّ إلاّ بترجيح أصل البراءة على الاحتياط وهو موقوف على حجيّة هذا الظنّ وبالجملة أنّ الجنس لا بقاء له بدون الفصل والثّابت من الشّرع أحد الأمرين وأصل البراءة لا يمنع إلاّ المنع من الترك وعلى فرض أن يكون الرّجحان الثابت بالإجماع هو الحاصل في ضمن الوجوب فقط في نفس الأمر فمع نفي المنع من الترك بأصل البراءة لا يبقى رجحان أصلا لانتفاء الجنس بانتفاء فصله وأصل البراءة مع المنع من التّرك لا يوجب كون الثّابت بالإجماع في نفس الأمر هو الاستحباب فكيف يحكم بالاستحباب وفيه أنّ مراد جمال العلماء بما فيه مندوحة هو ما لا يكون الأمر فيه دائرا بين المحذورين مثل ما دار الأمر فيه بين الوجوب والحرمة فثبوت غسل الجمعة من الشّرع في الجملة يقينا ودوران أمره بين الوجوب والاستحباب لا ينافي كونه ممّا فيه مندوحة وأمّا ما ذكره ثانيا بقوله وما ذكره من الحكم بجواز التّرك إلى آخر ما ذكره فيرد عليه أن للخصم أن يقول بالاستحباب بعد نفي الوجوب بالأصل بأن يقول إنّ مطلق رجحان غسل الجمعة ثابت بالإجماع وبعد نفي احتمال وجوبه بالأصل يستقل العقل باستحبابه ظاهرا وليس هذا حكما بالاستحباب الواقعي حتى يقال إنه بعد نفي المنع من التّرك بالأصل لا يلزم أن يكون الرّجحان الثّابت بالإجماع حاصلا في ضمن فصل الاستحباب بحسب الواقع كما توهمه وهذا هو الوجه في حكمنا أيضا بالاستحباب حتّى فيما دار الأمر فيه بين الوجوب والكراهة إذ بعد نفي المنع من التّرك بالأصل فالعقل يستقل بالاستحباب الظاهري لأجل احتمال الوجوب (قوله) ويؤكده إلخ يعني عدم كفاية الظنّ وأورد عليه المحقق القمي رحمهالله بأن ما دلّ من الآيات على النّهي عن اتباع الظنّ عمومات لا تفيد إلا الظن وإن كان سندها قطعيا بل هي ظاهرة في غير الفروع وفيه أنّ هذا الآيات وإن كانت عمومات إلاّ أن دلالتها قطعته الاعتبار