وما ذكرناه من التدرّج في مراتب الظّنون والانتقال من القوي إلى الضّعيف أنّما هو بحسب حكم العقل بعد فرض إهمال نتيجة دليل الانسداد وإلاّ فلو فرضت نتيجته مطلقة لوجب الأخذ بكلّ ظنّ من ابتداء الأمر كما هو واضح (قوله) على قول العدليّة إلخ إمّا على قول الأشاعرة المنكرين لما ذكره العدليّة فينحصر إثبات الصّغرى في الوجه الأوّل وحيث كان إثبات الكبرى واضحا لم يتعرّض للكلام فيها لأنّ العقلاء يفرون من مظان الضّرر فرارهم من الأسد وعليه بنوا ما سيشير إليه المصنف رحمهالله من إثبات وجوب معرفة الصّانع المتوقف على وجوب شكر المنعم كما سنشير إليه وكذا وجوب النّظر إلى المعجزة وغير ذلك ممّا أشار إليه المصنف رحمهالله لأنّ ذلك كلّه شواهد لإثبات الكبرى (قوله) استدل المتكلّمون به إلخ بتقريب أنّ في ترك الشّكر مظنّة قطع المنعم بعض نعمه أو احتمال ذلك فإذا ثبت وجوب الشّكر لأجل دفع الضّرر المظنون أو المحتمل ثبت وجوب معرفته تعالى لأنّه مع عدمها يظنّ بالوقوع في الخطإ في كيفيّة شكره وهو مظنة الضّرر فيجب دفعه (قوله) ولولاه إلخ لأنّ مدّعي النبوّة إمّا مظنون الصّدق في دعواه أو محتمل فيه ذلك فترك النّظر في معجزته يستلزم الضّرر على سبيل الظنّ على الأوّل وعلى سبيل الاحتمال على الثّاني فلو لم يجب دفع الضّرر المظنون على الأوّل وكذا المحتمل على الثّاني يلزم إفحام الأنبياء فإن قلت إنّ الشّكّ في وجوب النّظر شك بدوي فهو مورد البراءة قلت إنّ مبني البراءة حيث كان على قبح التّكليف بلا بيان يختصّ موردها بما يمكن البيان فيه من الشّارع ومسألة النّبوّة ليست كذلك لعدم إمكان البيان من مدعي النّبوة وعدم جريان عادته سبحانه على إبلاغها بإلهام أو إرسال ملك فلو بنى على إجراء أصالة البراءة لزم إفحام الأنبياء(قوله) وببالي إلخ الأنسب أن يورد هذا الكلام بعد قوله ممّا دلّ عليه الكتاب والسّنّة(قوله) مثل التعليل إلخ لأن في ارتكاب الضّرر المظنون مخافة الوقوع في النّدم لا محالة(قوله) (وَلا تُلْقُوا) إلخ في أواسط سورة البقرة والاستدلال به مبنيّ على كون ظاهره النّهي عن إلقاء النّفس في معرض الهلاكة الصّادق مع الظنّ بها أيضا لا الهلاكة الواقعيّة وإلاّ فحرمة إلقاء النّفس في الهلاكة الواقعيّة لا يستلزم حرمته مع الظّنّ بها أيضا لكونه مصادرة لأنّ الحاجبي يدعي كون الاحتياط مع ظنّ الضّرر حسنا لا واجبا ومنه يظهر وجه الاستدلال بقوله سبحانه (وَاتَّقُوا فِتْنَةً) إلخ وقوله تعالى (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) (قوله) بناء على أنّ المراد إلخ لأنّه إذا فسرت الفتنة بالدّنيويّة يكون وجوب الحذر لاحتمال أصابتها كما هو مقتضى التّرديد بلفظه أو ولا ينافره وقوع العذاب الأليم أحد طرفي التّرديد مع العلم بترتبه على مخالفة أمره سبحانه إذ لعلّ ترديده سبحانه لأجل إبهام إصابة الفتنة على المخاطب وبالجملة أنّ مقتضى الآية علية كل من احتمال إصابة الفتنة والعذاب الأليم لوجوب الحذر فإذا ثبت وجوب الحذر بمجرّد احتمال إصابة الفتنة فمع ظنّها بطريق أولى وأمّا إذا فسرت الفتنة بما عدا العذاب الأخروي من سائر المفاسد الأخرويّة فلا ترتبط الآية بما نحن فيه إذ إصابة أحد الأمرين لأجل مخالفة أمره سبحانه معلومة لا مظنونة والحاصل أنّ المراد بالفتنة والعذاب في الآية يحتمل أن يكون الدنيويين منهما كما يظهر من الطّبرسي حيث قال في تفسير قوله تعالى (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) أي بليّة تظهر ما في قلوبهم من النّفاق وقبل عقوبة في الدّنيا أو يصيبهم عذاب أليم أي في الدّنيا ويحتمل أن يكون الأخرويين كما قدّمناه ويحتمل أن يكون المراد بالفتنة الدّنيوية وبالعذاب الأخروي كما قدمناه أيضا والاستدلال أنّما يتم على الأخير بتقريب ما عرفت دون الأوّلين لأنّ إصابة أحد الأمرين لأجل مخالفة أمره تعالى حينئذ معلومة لا مظنونة كما عرفت (قوله) لا تصيبنّ إلخ أي يعمهم وغيرهم واتقاء الفتنة بإنكار موجبها من المنكر(قوله) ويحذركم إلخ أي يخوّفكم أن يغضب عليكم فيجب الاحتراز عن كلّ ما يوجب غضبه (قوله) أفأمن الّذين إلخ فإنّ مخالفة الضّرر المظنون ليس فيها أمن فيجب تركها(قوله) ما يظهر من العدّة إلخ هذا الجواب بظاهره يرجع إلى منع كلية الكبرى وهذا لما كان بظاهره واضح الفساد فوجهه المصنف رحمهالله بوجهين يرجع حاصلهما إلى منع الصّغرى في الجملة وربّما يقال إنّهما مع مخالفتهما لظاهر كلام العدّة والغنية أنّما ينمان في الشبهات البدويّة دون المشوبة بالعلم الإجمالي كما فيما نحن فيه لفرض علمنا إجمالا ببقاء التكاليف وفيه أنّ هذا الدّليل مفروض مع قطع النظر عن الانسداد وهو واضح (قوله) إلا أن يريد إلخ حاصله كون العقاب المحتمل أو المظنون مأمونا بأصالة البراءة(قوله) أو يريد إلخ مبنى الأوّل على قبح العقاب بلا بيان ومبنى الثّاني على وجوب اللّطف على الله تعالى والثّاني أعمّ بحسب المؤدّى من الأوّل كما يظهر بالتأمّل في عبارة المصنف ره (قوله) النقض إلخ النقض بخبر الفاسق بل الكافر أيضا يظهر من المعارج قال فإن الظنّ يحصل عند خبره انتهى والظاهر أنّ مراده النقض بكل ظنّ نهى الشّارع عن العمل به كالقياس ونحوه ولذا عمم المصنف ره عنوان النقض والحق القياس بخبر الفاسق فلا خصوصيّة لخبره في النقض كيف وقد عمل به جماعة بل المحقّق أيضا إذا كان مقبولا عند الأصحاب وكيف كان فهذا الجواب كما أنّه صالح لأن يرجع إلى منع الصّغرى بأن يكون مقصوده أنّه بعد منع الشارع من العمل بالظّن مطلقا لا يبقى ظنّ بالعقاب كما في موارد خبر الفاسق والقياس وغيرهما مما نهي عنه الشّارع بالخصوص كذلك صالح لأن يرجع إلى منع كليّة الكبرى والوجه فيه واضح والجوابان اللّذان نقلهما المصنف رحمهالله مبنيان على الثّاني دون الأوّل (قوله) وأجيب عنه تارة إلخ الجواب الأوّل ذكره المحقّق القمي رحمهالله حيث منع عدم جواز العمل بخبر الفاسق إذا أفاد الظنّ قائلا إن اشتراط العدالة معركة للأداء والاستدلال بالآية غايته الظنّ ولم يحصل العلم بحجيّة هذا الظنّ كما مرّ مع أنّ الشّيخ صرح بجواز العمل بخبر المحترز عن الكذب مع أن المشهور جواز العمل بالخبر الضّعيف المعتضد بعمل الأصحاب ولا ريب أنّ ذلك لا يفيد إلاّ الظنّ أقول إنّ هذا الجواب يمكن إجزاؤه في القياس أيضا بتقريب أن يقال إنما نمنع قيام دليل صالح لإثبات حرمة العمل به في حال الانسداد إذ ما دل من الأخبار على حرمة العمل به أنّما هو في مقام جعل القياس دليلا مستقلا في مقابل الكتاب والسّنة بل في مقابل الأئمّة عليهمالسلام بحيث يستغني به عن الرجوع إليهم عليهمالسلام لأن هذه