خبر العادل (قوله) والظّاهر منها بقرينة التّفصيل إلخ حاصله أن الإشكال في اعتبار الإجماع المنقول أنّما هو من حيث احتمال خطاء المدّعي في حدسه لا من حيث احتمال تعمّده للكذب لأنّ احتمال ذلك في علمائنا الأخبار الذين هم حملة الأخبار المأثورة عن الأئمة الأطهار عليهمالسلام وأمنائهم وحججهم على الرّعيّة بعدهم منتف قطعا لأنّهم أجلّ شأنا وأعظم رتبة من أن يكذبوا على الله تعالى أو على رسوله أو خلفائه المعصومين عليهمالسلام والآية الكريمة أنّما تدلّ على اعتبار خبر العادل ووجوب تصديقه فيما أخبر به من حيث احتمال تعمّده للكذب لا من حيث احتمال خطائه في حدسه وتشهد بذلك على ما يستفاد من كلامه وجوه أحدها التفصيل في الحكم بين العادل والفاسق كما هو مقتضى المفهوم شرطا ووصفا لأنّ مقتضاه كون علّة وجوب التبين كون الجائي بالنبإ فاسقا لا ريب أن صفة الفسق أنّما تصلح للعلية إذا كان الحكم بوجوب التّبيّن من حيث احتمال تعمّد الكذب فقط نظرا إلى كون صفة العدالة رادعة للعادل عن تعمده له بخلاف صفة الفسق في الفاسق ولو أريد به وجوب التّبين عن خبر الفاسق من حيث احتمال الخطاء في خبره لزم كون التّعليل بأمر مشترك لاشتراك العادل مع الفاسق في احتمال الخطإ لأنّ صفة العدالة رادعة عن تعمّد الكذب لا عن الخطاء كما عرفت وتعليل أحد الحكمين المختلفين بأمر مشترك قبيح بل نفي احتمال الخطاء عن الفاسق أولى من نفيه عن العادل لما ورد من أن المؤمن غر كريم والكافر خبّ لئيم هذا ويرد عليه أنّ غاية ما تدلّ عليه الآية كون علة وجوب التبيّن عن خبر الفاسق هي صفة الفسق وعدمه عن خبر العادل هي صفة العدالة وأمّا كون اختلاف الحكمين لأجل قوّة احتمال تعمّد الكذب في الأوّل بخلافه في الثّاني أو لأجل مراعاة جهة أخرى فلا دلالة للآية على خصوص أحدهما فإن قلت إنّ صفة الفسق تناسب تعمد الكذب لعدم القوّة الرّادعة للفاسق بخلاف العادل قلت مع أنّ مجرّد المناسبة غير مجد ما لم يكتس اللّفظ بسببها ظهورا عرفيا وهو فيما نحن فيه محلّ نظر أو منع أنّ المناسبة فيما سنذكره أيضا محقّقة وهو أن يكون اختلاف الحكمين لأجل مراعاة حال العادل والمحافظة على شأنه ومرتبته عند النّاس وذلك بأن كان المطلوب عند الشّارع أولا وبالذات هو التوصّل إلى الواقع بالعلم إلاّ أنه قد نزل خبر العادل منزلة الواقع تعبّدا مطلقا سواء كان ذلك من حيث احتمال تعمّد الكذب أو من حيث الخطإ لأنّه إن وجب التثبت في خبره أيضا فربّما تظهر مخالفة خبره للواقع بعد الفحص والتبيّن فيفتضح بين النّاس ويزول وقعة عن القلوب فإن قلت إن افتضاحه مع ظهور المخالفة أنّما هو في صورة ظهور تعمده للكذب لا مع ظهور خطائه قلت نعم إلاّ أن هذا أنّما هو مع ظهور كون المخالفة لأجل الخطإ لكن كثيرا ما تشبّه الحال ويتردد الأمر بين تعمد الكذب والخطإ بل العامة يحمله حينئذ على التّعمد دون الخطإ فيزول بذلك وقعة عن القلوب فالمحافظة على شأن العادل لا تتم إلاّ مع تصويبه مطلقا اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ نفي احتمال الخطإ في الأخبار مطلقا لما كان مركوزا في أذهان العقلاء فالمنساق من وجوب التبيّن عن خبر الفاسق هو التبيّن من حيث احتمال تعمد الكذب خاصة وثانيها التعليل بقوله سبحانه (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً) الآية ويظهر التقريب فيه ممّا تقدم لأنّ احتمال الوقوع في الندم من حيث احتمال الخطإ مشترك بين العادل والفاسق بخلافه من حيث احتمال تعمّد الكذب كما تقدّم وأنت خبير بأن احتمال الخطإ كما أنّه مشترك بينهما كذلك احتمال تعمد الكذب أيضا وقوّة احتمال الثّاني في خبر الفاسق غير مجدية لأنّ العلة هي احتمال الإصابة مع الجهالة المورثة للنّدم لا قوّة احتمالها في خبر الفاسق وضعفه في خبر العادل ولذا اعترف المصنف رحمهالله عند الاستدلال بالآية على حجيّة خبر الواحد بأن العلّة إن تمّت أنّما تدل على عدم حجيّة خبر العادل أيضا بتقريب أنّ مفهوم الشّرط يدل على اعتباره والعلّة تنفيه وظهور العلّة أقوى من ظهور الجملة الشّرطية في المفهوم فبها ترفع اليد عن المفهوم وما يظهر من المصنف رحمهالله هنا من كون احتمال الوقوع في الندم في خبر الفاسق احتمالا مساويا بخلافه في خبر العادل فمع عدم اطراده غير مجد كما عرفت وثالثها إطباق الأصوليين على اشتراط الضّبط في الرّاوي بل الفقهاء في الشاهد فلو كانت الآية مطلقة لم يبق وجه للاشتراط بعد عدم ظهور دليل مقيد لإطلاقها ورابعها عدم استدلالهم على حجيّة فتوى الفقيه على العامي بآية النّبإ مع استدلالهم عليها بآيتي النفر والسّؤال وخامسها إطباق الفقهاء على عدم اعتبار الشّهادة في المحسوسات إذا لم تستند إلى الحسّ بل إلى العلم والحدس فإن قلت إنّ اشتراط الحسّ في الشهادة لعلّه لأجل قوله عليهالسلام لمن أراه الشّمس على مثلها فاشهد أو دع لا لعدم إطلاق الآية بالنّسبة إلى نفي احتمال الخطإ في الحدس قلت إن هذا الخبر وما في معناه مجمل إذ كما يحتمل إرادة المثلية في كون المشهود به مرئيّا ومحسوسا كذلك يحتمل إرادة المثلية في حصول العلم بالمشهود به مطلقا فإن قلت لعل اشتراط الحسّ فيها لأجل أن الشهادة مأخوذة من الشهود وهو الحضور كما ذكره صاحب الرياض قلت نمنع الدّلالة لكثرة استعمال الشهادة في غير المحسوسات أيضا كالشهادة بوجوده تعالى ورسالة النّبي صلىاللهعليهوآله ونحوهما وهذا هو المراد بما أشار إليه المصنف رحمهالله من وجه النّظر وهنا وجه سادس وهو أنّه لو لم يكن المراد بالآية وجوب التبيّن عن خبر الفاسق لأجل مجرّد احتمال تعمده للكذب بل كان المراد بها وجوب التبيّن عن خبره مطلقا سواء كان من جهة ذلك أو من سائر الجهات كاحتمال الخطإ والنّسيان وإرادة المجاز كان اللازم حينئذ عدم حجيّة خبر الفاسق مع العلم بصدقه أيضا مع بقاء سائر الاحتمالات في كلامه وحجيّة خبر العادل مع طرق هذه الاحتمالات على كلامه وإن لم يعلم صدقه ولا يلتزمه أحد لوضوح عدم وجوب الفحص عن سائر الجهات