الحالة الحاصلة للأمر والمأمور بهذا الإنشاء الّتي باعتبارها يسمّى المولى أمرا والعبد مأمورا والفعل مأمورا به بعد انقضاء زمان صدور الصّيغة والإنشاء الفعلي القائم بها ولا ريب أنّ هذه الحالة قابلة للبقاء والاستمرار في نظر العقلاء ويترتّب على بقائها الوجوب الشّرعي للفعل المأمور به والمقصود من استصحاب الأمر إثبات هذا الوجوب وبعد إثباته ظاهرا يحكم العقل بوجوب إطاعته لا محالة وهذا هو الوجه في إجماعهم على استصحاب عدم النّسخ بل ادعى عليه بعضهم الضّرورة كما لا يخفى وأما على الثّالث والرّابع فلأن الحكم الشّرعي الواقعي إذا فرض ترتبه على الموضوع المعلوم ككون الحرمة والنّجاسة محمولتين على الخمر المعلوم مثلا من حيث كونه معلوما فاستصحاب بقاء المائع الخارجي على الخمريّة فيما إذا شكّ في انقلاب الخمر خلاّ لا يثبت الحرمة والنّجاسة الظاهريتين بل لا مجرى للاستصحاب حينئذ فإنّه كما صرّح به المصنف رحمهالله في غير موضع من الكتاب أنّما يجري فيما كانت نفس المستصحب من الأحكام الشّرعيّة أو كانت من الموضوعات الّتي يترتب عليها حكم شرعيّ بلا واسطة أمر عقلي أو عاديّ والفرض هنا عدم ترتّب الحكم الشّرعي على ذات الخمر بل على الخمر المعلوم والحاصل أنّ موضوع الحكم في السّابق هو الخمر المعلوم وهذا الموضوع مرتفع يقينا والخمر الواقعي المشكوك البقاء لم يكن موضوعا للحكم في الزّمان الأوّل ومن هنا يتّضح عدم جريان الاستصحاب في شيء من الأحكام الّتي أخذ أحد الإدراكات في موضوعها إذا تبدل هذا الإدراك المأخوذ في موضوع الحكم إلى غيره وقد صرّح المصنف رحمهالله بما ذكرناه في أوّل الأمر التّاسع من تنبيهات مبحث الاستصحاب بناء على اعتباره من باب التعبّد دون الظّنّ وهو الفرض هنا أيضا لما تقدّم من أنّه على تقدير اعتباره من باب الظّنّ داخل في الأمارات دون الأصول (الثّاني) أنّك بعد ما عرفت من صحّة قيام الأمارات وبعض الأصول كالاستصحاب مقام العلم على القسم الأوّل والثّالث والرّابع بعد الإغضاء عمّا قدّمناه في الأمر السّابق فاعلم أنّ هذا أنّما هو بحسب القواعد وليس من اللّوازم العقلية لهذه الأقسام بل للشّارع أن يقيم الاستصحاب مثلا مقام العلم في بعض الأقسام المذكورة دون الأمارات أو بالعكس والوجه فيه أمران أحدهما أنّ إقامة الأمارات وبعض الأصول مقام العلم أنّما هو بحكم الشّارع لا من باب الملازمة العقليّة فله اختيار ما أراد وثانيهما الوقوع شرعا لجواز بناء الشّهادة على الاستصحاب بلا خلاف وادعي عليه الإجماع ولا يجوز بناؤها على شهادة الغير نعم لو علم كون العلم مأخوذا في موضوع الحكم من حيث الكشف عن متعلّقه وشكّ في كونه مأخوذا في موضوعه عموما أو هو مختصّ ببعض جهاته من جهة القاطع أو المقطوع به أو أسباب القطع فمقتضى إطلاق العلم المأخوذ في موضوعه وعدم تخصيصه بجهة دون أخرى هو الحكم بعمومه كما لا يخفى (الثّالث) أنّك حيث قد عرفت الأقسام الأربعة للعلم فاعلم أنّه قد تبيّن الحال في هذه الأقسام وقد تشبّه فيدور الأمر بين الجميع أو جملة منها وذلك مثل ما تقدم من دوران الأمر في اعتبار الحفظ في ركعات الثّنائيّة والثّلاثيّة والأوليين من الرّباعيّة بين كونه من باب الصّفة الخاصّة وكونه من قبيل الجزء للموضوع من باب الكشف بحيث يكون للواقع أيضا مدخل في ثبوت الحكم وكذلك اعتبار العلم في باب الشهادة فإنّ قوله صلىاللهعليهوآله في النبوي حيث سئل عن الشهادة هل ترى الشّمس فقال نعم فقال على مثلها فاشهد أو دع وقول أبي عبد الله عليهالسلام لا تشهد بشهادة حتّى تعرفها كما تعرف كفّك يحتمل كون التّشبيه فيهما من حيث اعتبار المحسوسيّة في المشهود به كما فهمه جماعة حيث اعتبروا الحسّ في الشّهادة ويحتمل التّشبيه في مجرّد اعتبار حصول العلم بالمشهود به سواء كان من المعقولات أو المحسوسات فعلى الأوّل يتعيّن كون اعتبار العلم في الشّهادة من باب الجزء من الموضوع لما تقدّم من عدم معقوليّة تخصيص العلم على الطّريقيّة المحضة بجهة من جهاته فيدور الأمر حينئذ بين أقسام اعتبار العلم من باب الجزء من الموضوع وعلى الثّاني يدور الأمر بين الأقسام الأربعة وكذلك الأمر في باب النجاسات فيحتمل كون اعتبار العلم فيها من باب الجزء من الموضوع كما تقدم عن صاحب الحدائق فيدور الأمر حينئذ بين أقسامه ويحتمل كونه من باب الطريقيّة المحضة كما هو مذهب الآخرين وكذلك اليقين المعتبر في باب الاستصحاب لاحتمال اعتباره من باب الطّريقيّة المحضة واعتباره أعمّ منه ومن باب الجزء من الموضوع كما تقدم احتماله في أخبار الاستصحاب بل استظهره منها بعض من لقيناه إلى غير ذلك من الموارد المشتبهة والميزان في تمييز الأقسام مطلقا أو في الجملة في مثل هذه الموارد أمور أحدها إقامة الشّارع بعض الأمارات في بعض الموارد مقام العلم الّذي اشتبهت حاله بين أقسامه فإنّه من ذلك يظهر عدم كون اعتباره من باب الصّفة الخاصّة لما تقدم من عدم قيام الأمارات مقام العلم المعتبر كذلك فيدور الأمر حينئذ بين باقي الأقسام وذلك كما في باب الشّهادة لتجويز الشّارع بناءها على قاعدة اليد كما في رواية حفص عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه قال له رجل أرأيت إذا رأيت شيئا في يدي رجل أيجوز لي أن أشهد أنّه له قال نعم قال الرّجل أشهد أنّه في يده ولا أشهد أنّه له فلعلّه لغيره فقال له أبو عبد الله عليهالسلام أفيحل الشّراء منه قال نعم فقال أبو عبد الله عليهالسلام فلعلّه لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك ثمّ قال عليهالسلام لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق وإلى هذا الوجه أشار المصنف رحمهالله بقوله إلاّ أن يثبت من الخارج أن كلّما يجوز العمل به وثانيها مراجعة الأدلّة الشرعيّة فربّما يظهر من نفس الدّليل الّذي أوجب المشبّهة ما يزيلها وربّما يظهر ذلك من دليل آخر فتمكن إزالة الشّبهة في مسألة النّجاسة من ملاحظة الحديث الّذي توهم منه صاحب الحدائق كون النّجاسة الواقعيّة محمولة على الأعيان المعلومة وهو قوله عليهالسلام كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر فإنّ الحكم بالنّجاسة وإن كان في ظاهر الرّواية مرتّبا على العلم بالقذارة إلا أنّ القذارة هي النّجاسة وقد جعلها الشّارع متعلّقة للعلم فلو كانت النّجاسة الواقعيّة أيضا مرتّبة على العلم