النّفر وجوب بعض غاياته ولا ريب فى وجوب التّفقّه فيبقى وجوب الأنذار منفيّا بالاصل لأنا نقول ظاهر الاية يقتضى وجوب النّفر للامرين وهو يقتضى وجوبهما كما عرفت ولو فسّر النّفر بالنّفر الى الجهاد امكن ان يستفاد منها بضميمة صدرها وجوب مكث البعض للّتفقّه والأنذار ويتمّ الأستدلال به بما عرفت وامّا وجه استلزام وجوب الأنذار بوجوب العمل بمقتضاه فلأنّ المفهوم من اطلاق وجوب الأنذار عرفا هو جواز العمل بمقتضاه بل وجوبه ولأنّ الأمر بالانذار مع المنع من العمل به يعدّ لغوا وسفها وهو ممتنع فى حقّه تعالى الثانى انّ قوله تعالى (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) معناه وجوب الحذر لتعذّر حمله على ظاهره لأستحالة التّرجّى عليه تعالى ووجوب الحذر عند انذارهم فى معنى وجوب العمل بما يشتمل عليه اخبارهم لا يقال تعدّد الحمل على الترجّى لا يعيّن الحمل على الأيجاب لأمكان الحمل على النّدب لا سيّما مع مساعدة الأصل عليه لانا نقول قد حققنا سابقا انّ الظّاهر من الالفاظ المستعملة فى الطّلب هو الأيجاب مع انّ ثبوت الرّجحان كاف فى اثبات المقصود بل فى اثبات الوجوب ايضا للأجماع المركّب واعلم انّ هذه الاية تتناول باطلاقها الانذار بدون الواسطة ومعها مع تعدّد الوسائط وبدونه لأنّ وجوب العمل بانذار المنذرين يقتضى جواز التّعويل على روايتهم فى معرفة الأحكام وذلك معنى التّفقّه فى الدّين فيجب عليهم انذار غيرهم ويجب عليهم القبول وهكذا الثّانى قوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) الاية فانّه تعالى علّق وجوب تبيّن النّبأ على مجىء الفاسق به فيدلّ بمفهومه على عدم وجوب التّبيّن عند مجىء العادل به ومقتضاه جواز القبول لأنّ الامر بالتّبيّن امّا كناية عن عدم جواز القبول او مجاز عنه او مخصوص بما لو اريد العمل بمقتضى بنائه فيكون وجوبه شرطيّا ويرجع الى الوجه السّابق او بمواضع خاصّة لا بدّ من التّبيّن فيها منها مورد الاية حيث يجب فيها التّبيّن فى مطالبتهم بالصّدقات فان انقادوا وادوّها تبيّن كذب النّبأ وان استنكفوا تبيّن صدقه لكن هذا فى الحقيقة راجع الى امر مخصوص يحصل به التّبيّن وليس طلب نفس التّبيّن وبالجملة فلا بدّ من حمل الأمر بالتّبيّن على احد هذه الوجوه للأجماع على عدم وجوبة عند خبر الفاسق مطلقا وعلى هذا فما تداول فى كتب القوم فى بيان وجه الأستدلال من انّه تعالى علّق وجوب التّبيّن على مجيئ الفاسق فعلى تقدير مجيئ العادل امّا ان يجب القبول فهو المدّعى او الرّدّ فيلزم ان يكون العادل اسوء حالا من الفاسق غير مستقيم اذ مرجع الامر بالتّبيّن فى ما عدا الوجه الأخير الى ردّ نبائه وفى الوجه الأخير وجوب التّبيّن فى نبأ العادل وايضا انّما يتّم ما ذكروه اذا حمل الأمر بالتّبيّن على وجوبه مطلقا وهذا ممّا لا قائل به ثمّ انّ المعروف بينهم انّ الدّلالة المذكورة ناشئة من تعليق الحكم على الشّرط وبعضهم جعلها ناشئة من تعليقه على الوصف وعلى كلّ من التّقديرين يتوقّف على القول بثبوت المفهوم فيهما وقد حقّقنا سابقا انّ تعليق الحكم على الشّرط يدلّ على انتفائه عند انتفائه بخلاف التّعليق على الوصف فيبطل الأستدلال على الوجه الأخير وامّا على الوجه الأوّل فيتجه الأشكال فيه من وجوه الثّالث قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) الاية وجه الدّلالة انّ الموصولة بعمومها تتناول الأحكام الشّرعيّة والتّهديد على كتمانها يقتضى وجوب بيانها واظهارها وهو يقتضى وجوب عمل السّامعين بها والّا لانتفت الفائدة فى بيانها ويرد عليه وجوه منها انّ المراد انذار اليهود حيث كانوا يخفون اوصاف الرّسول ممّا كان مذكورا عندهم فى التّورية فلا تعلّق له بالمقام ويمكن دفعه بانه تخصيص لا شاهد عليه اذ على تقدير تسليم ورودها فى ردعهم فالعبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص المورد ومنها انه لا يتناول ما بيّنه الرّسول او الأمام اذا لم يكن فى الكتاب كما هو محلّ الحاجة من خبر الواحد والجواب انّ كلّ ما بيّنه الرّسول او الأمام فقد بيّن فى الكتاب ولو بعمومات الأمر بالطّاعة والتّحذير عن المعصية او بالخصوص كما يدلّ عليه قوله تعالى (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) الرّابع قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وجه الدّلالة