محلّ النّزاع ان يقال لا ريب فى ان النسخ كما يقتضى رفع الحكم المنسوخ كذلك يستلزم ثبوت حكم آخر بناء على امتناع خلّوا الواقعة عن الحكم فالبدل المبحوث عنه فى المقام انّما هو البدل الشرعى والمراد بالجواز هنا عدم ما يعيّن عدمه ولو من الشرع وبعدم الجواز وجود ما يقتضى ذلك اذا عرفت ذلك فالحق ما عليه الأكثرون من الجواز لعدم ما يقتضى المنع لضعف ما تمسك به الخصم وعدم ما يصلح للمنع سواه وايضا لو لم يجز لما وقع فى الشّرع وقد وقع كنسخ تقديم صدقات بين يدى النّجوى بناء على انّه لم يجعل له بدل كما هو الظّاهر ويعضده الأصل فصل : لا ريب فى جواز النسخ الى المساوى والأخفّ والحق جوازه الى الأثقل ايضا وفاقا للمحقّقين وخالف فى ذلك جماعة لنا انتفاء المانع وجواز قضاء المصلحة به ووقوعه كنسخ التّخيير بين الصّوم والفدية بتعيين الصّوم ولا ريب انّ التّعيين اشقّ وكنسخ صوم عاشورا بصوم شهر رمضان وهو اشقّ وكنسخ جنس الزّانية بالجلد وهو اشقّ واحتج المانعون بوجوه ضعيفة فصل : يجوز نسخ الكتاب بمثله وبالسّنة المتواترة وفى حكمها السنّة المحفوفة بقرائن العلم لأنّهما دليلان قطعيّان فى الجملة فيجب الجمع بينهما لامتناع العمل بهما للتّنافى او طرحها لعدم الموجب او طرح احدهما لعدم المرجّح ثم ان كانت السّنة قطعيّة الدلالة فلا اشكال وان كانت ظنّية اعتبر ان يكون ظهورها فى النسخ اقوى من ظهور الكتاب فى الاستمرار والّا لوجب التّوقف او تنزيلها على غير النّسخ واختلفوا فى جواز نسخه بخبر الواحد على تقدير حجّيته فالمختار المنع وفاقا للمحقّقين بل الظّاهر انّه متّفق عليه عند اصحابنا لنا انّ ما دلّ على حجيّة اخبار الآحاد مما لا يساعد على حجّيتها فى المقام لأنّ المستند على ذلك ان كان الإجماع فلا ريب فى انتفائه فى هذه الصّورة وان كان ظاهر الآيات والاخبار فظاهر انّ دلالتهما على حجّيتها حينئذ من باب العموم او الاطلاق وهو معارضة لظاهر الدّليلين وعمومات ما دلّ على حجّيتها موهون بمصير المعظم بل الكلّ الى المنع فلا يبقى لنا تعويل عليه وان كان ما نحقّقه فى محلّه من دليل الانسداد فلا خفاء فى انّ هذا الطّريق انّما يقتضى التّعويل على الطّرق الّتى هى مظنونة الصّحة لا غير فانّا كما نعلم علما اجماليا بعد الانسداد بانّا مكلّفون بالأحكام كذلك نعلم علما اجماليا بانّا مكلّفون بتحصيلها عن طرق مخصوصة قد جعلها الشارع لنا طريقا اليها فحيث لا سبيل الى تحصيل تلك الاحكام بالطّرق المعلومة لانسداد باب العلم بالنّسبة اليها تعين تحصيلها بالطرق المظنونة وظاهر انّ اخبار الآحاد المقتضية لنسخ الكتاب والسنة المتواترة ليست من جملة تلك الطرق كيف والمظنون ان لا يكون منها ان لم نقطع بذلك ومن هنا يظهر الفرق بينه وبين التّخصيص فانّ مصير الاكثر هناك الى جواز تخصيصهما بخبر الواحد مع امارات أخر معتضدة بذلك ممّا يورث الظّن بكونه حينئذ من تلك الطّرق.