وقد عرفت توجيهه في كلام المص قوله : لا ريب في ان الأحكام الخمسة متضادّة في مقام فعليّتها الخ اقول وذلك لأنّ المصلحة والمفسدة اللّتان هما مقتضيان لهما ممّا يجتمعان في محلّ واحد باعتبارين وجهتين لما تحقّق في محلّه من انّهم بالوجوه والاعتبار فلا تنافى بينهما حتّى لا يجتمعان في محلّ واحد وكذلك الإنشاء فلبداهة امكان انشائك ايجاب الفعل وحرمته وليس فيه امتناع ولا استحالة لعدم التّنافي في مقام الصّدور من المتكلّم وكذلك الإرادة التى هى العلم بالمصلحة والمفسدة لا تنافى بينهما لبداهة حصول العلم كذلك فتحقّق ان لا تنافى بين الأحكام الخمسة في مرتبة من المراتب نعم انّما يجيء التّنافى بين الحرمة والوجوب في مرتبة البعث والزّجر لعدم تحقّقهما نحو امر واحد في زمان واحد ولا يخفى عليك ان التّنافى بين البعث والزّجر نحو امر واحد في زمان واحد انّما هو لتنافى مقتضيهما وهو الانبعاث والانزجار لا لذاتيهما كالسّواد والبياض والحاصل انّ التّنافى بينهما من جهة عدم امكان تحقّق مقتضيهما لا لعدم امكان وجودهما ذاتا فلذا لو فرضنا الحاكم غير حكيم يمكن تحقّق البعث والزّجر منه فلو كان من قبيل اجتماع الضدّين لكان من المحال التحقّق فيكون من باب التّكليف بالمحال لا التّكليف المحال فلا بد ان يجوزه من يجوز التّكليف بالمحال والّذي يدلّك على ما ذكر انّ اجتماع الضدّين من المحال ولو كان علّة وجود كلّ منهما مختلفا وفيما نحن فيه صحّة البعث على شيء من مكلّف والنّهى عنه من مكلّف آخر كالأبوين مثلا في زمان واحد ممّا لا اشكال فيه ومقتضاهما ممّا لا يمكن تحقّقهما في كمال الوضوح ثمّ انّ ما ذكر انّما يثبت التّنافى في المتنافيين في المقتضى دون ما لا تنافى بينهما في ذلك كالوجوب والاستحباب والحرمة والكراهة فاثبات التضاد بين جميع الأحكام الخمسة في المرتبة الفعليّة بما ذكره من البيان لا يخلو عن اشكال قوله : ثانيها انّه لا شبهة في انّ متعلّق الأحكام هو فعل المكلّف اقول لا ينبغى الأشكال في انّ ما صدر من المكلّف في الخارج موجود خارجى والحكم العارض له ليس من الموجودات الخارجيّة بحيث يكون بحذائه في الخارج شيء كالسّواد والبياض والحرارة والبرودة نعم يعتبره العقل وينتزعه عمّا في الخارج كما ينتزع الفوقيّة والتّحتية ممّا في الخارج فنفس العرض ظرف وجوده الاعتبار والذّهن دون الخارج وكلما كان الأمر كذلك اى يكون العرض والمعروض متغايران في ظرف الوجود لم يكد يكون ظرف العروض هو الخارج لأن ظرف العروض لا محالة يكون ظرفا للعارض والمعروض وقد عرفت انّ الخارج ليس ظرفا للعرض فلا بدّ ان يكون ظرف العروض ظرفا لهما وليس الّا الذهن والتصوّر حيث يوجدان في ذلك الظرف وعلى هذا يستحيل ان يكون معروض الطّلب والحكم هو نفس الموجود في الخارج بل الموجود في الذهن واعتبار الوجود في الذّهن من جهة انّه لا يكاد يعرض شيء لشيء لا ثبوت له اصلا لأنّ ثبوت شيء لشىء فرع ثبوت المثبت له فلا بدّ ان يكون