الوضع اعني به القول بكون الوضع عبارة عن اعتبار الربط بين اللفظ والمعنى والقول بكونه عبارة عن التعهد وهو تباني العقلاء من اهل اللسان على النطق باللفظ الخاص عند ارادة افادة السامع المعنى الكذائي فان قيل بكون الوضع هو التعهد المزبور فلا محالة كانت دلالة اللفظ على المعنى تابعة لارادة المتكلم اياه لان المتكلم لا ينطق بهذا اللفظ جريا على التباني المذكور إلا عند ارادة المعنى المعبر عنه بذلك اللفظ واما اذا نطق به سهوا فلا يكون ذلك اللفظ فى ذلك الوقت وتلك الحال مشمولا للتعهد المزبور فلا يكون موضوعا لذلك المعنى فلو استدعى سماعه تصوره لكان ذلك من باب الاستيناس لا من دلالة اللفظ عليه بسبب الوضع واما عدم التبعية بناء على كون الوضع اعتبار الربط بين اللفظ بالمعنى فواضح (ولا يخفى) ما فى هذا التفصيل فان تبعية الدلالة للارادة كما تتحقق على القول بكون الوضع عبارة عن التعهد المزبور تتحقق ايضا على القول بكون الوضع عبارة عن اعتبار الربط بين اللفظ والمعنى كما قربناه فيما سبق وجميع المحاذير المتقدمة التي يستلزمها الوضع لخصوص الحصة بالتقريب السابق يستلزمها القول بكون الوضع عبارة عن التعهد المزبور اذا كان الباعث على القول به هو تحصيل الدلالة التصديقة بالدلالة الوضعية واما اذا كان الباعث على القول به هو ادعاء انحصار حقيقة الوضع به فلا يرد عليه ما اوردنا على القول بالوضع للحصة فيما قربناه به إلا انا قد بينا فيما تقدم فساد كون الوضع هو التعهد فضلا عن انحصار حقيقة الوضع به.
[الأمر الثامن] فى علائم الوضع
(الأمر الثامن) لا شبهة في أن التبادر كما هو المشهور من دلائل الوضع وآياته لما عرفت سابقا من ان استلزام سماع اللفظ تصور معنى ما لا يكون إلا بسبب ارتباط ذلك اللفظ بذلك المعنى وعلاقته به في نظر السامع ولا حقيقة للوضع عندنا الا ذلك الارتباط وتلك العلاقة فيكون التبادر من آثار ذلك الارتباط فى نظر السامع وهذا في الجملة واضح إلا ان المهم هو احراز كون ذلك الانسباق مستندا الى سماع اللفظ محضا لا بعض القرائن الحافة ولو انها لا تنفك غالبا عنه كبعض احواله في بعض المقامات والاحوال التي يكون المتكلم فيها نحو الانصراف الاطلاقي