الواضع هو الله
تعالى أو غيره قيل إنه هو الله تعالى ولكن لا بطريق الرسالة كما هو الشأن فى
الاحكام الشرعية بل بطريق الالهام لكل عنصر من عناصر البشر حسب استعداده الخاص به
وحسب ما تقتضيه الاحوال وعليه يكون الوضع برزخا بين الجعل التكويني والجعل
التشريعي ومستند هذه الدعوى هو أنه لا ريب فى عدم مناسبة ذاتية بين الألفاظ
ومعانيها توجب فهمها منها عند سماعها بل لا بد من توسيط الجعل بين الألفاظ
والمعاني وفاعل ذلك الجعل لا يمكن أن يكون هو البشر لعدم امكان احاطة البشر بالفاظ
لغة واحدة فضلا عن جميع اللغات واذا امتنع أن يكون فاعل الجعل هو البشر تعين أن
يكون هو الله تعالى هذا مضافا الى أن التاريخ مع تصديه لضبط الأخبار السالفة لم
يخبر عن حدوث الوضع في عصر من العصور ولو كان الوضع من حوادث البشر لتصدي التاريخ
لنقله وبيان أصله (وفيه) أن ما ذكر سندا لكون الواضع هو الله تعالى لا يستلزم ذلك
بل يمكن أن يكون الواضع هو البشر كما هو الحق لا مكان أن تضع كل امة من الامم
بمقدار حاجتها الفاظا المعاني التي تختلج فى نفوسها وتحوم حول اظهارها وهكذا تتدرج
في الوضع حسب الحاجة وقتا بعد وقت كما هو المشاهد لنا من أحوالنا مع ما نبتلي به
من المعاني الحادثة فنضع لها الفاظا نتفاهم بها وقت الحاجة سواء كانت أعلاما أم
اسماء اجناس والوضع بهذا الوضع لا يستلزم احاطة البشر القاصر بما لا يكاد يحصى
عادة وكذلك لا يكون له ظهور واشتهار في وقته بنحو يلفت انظار الناس ليتصدى التاريخ
لتسجيل خبره في دفتره (ثم إنه) قد يتوهم لزوم المناسبة الذاتية بين اللفظ الموضوع
والمعنى الموضوع له وإن لم تكن تلك المناسبة بنحو يلتفت اليها الواضع حين الوضع
اذا كان غير الله تعالى وذلك لاستلزام عدمها الترجيح بلا مرجح (وفيه) بعد تسليم
امتناع الترجيح بلا مرجح أن المرجح اللازم في المقام لا ينحصر بالمناسبة الذاتية
المذكورة بل يجزي كل مرجح ينتفي معه لزوم الترجيح بلا مرجح سواء كان ذاتيا أم
اتفاقيا مع أنه لا يعقل وجود المناسبة الذاتية في جميع الألفاظ الموضوعة لمعانيها
لاستلزام ذلك المناسبة الذاتية بين لفظ واحد ومعان متباينة بل متناقضة كما لو وضع
لفظ واحد لمعاني متضادة أو متناقضة سواء كان علما كالأعلام المتكرر وضعها أم اسم
جنس كلفظ الجون للاسود والأبيض ولفظ القرء للحيض