عشقا وباعتبار تعلقه بالشيء غير الثابت يسمى ارادة ولا يخفى ان هذا البناء غير العلم واليقين إذ هما من صفات النفس وغير اختياريين بخلاف هذا البناء فانه من افعال القلب وهو اختياري له ولا يخفى أن هذا البناء قابل للتعلق بالمحال وامكان تحققه باعتبار مصلحة قائمة فيه لا في متعلقه وامكان انفكاكه عن المطلوب ولو كان منه تعالى وبالجملة هذا البناء يكون غير الارادة بالوجدان ويتفق مع مقالتهم من حيث التزامهم بالأمور المذكورة.
(ثم لا يخفى) انه لا يرد على هذا التوجيه ان العقل لا يحكم باستحقاق العقوبة على مخالفة نفس البناء القابل للتعلق بالمحال ومعه كيف يمكن أن يكون مدلول الخطاب هو هذا البناء مع ان مخالفة الخطاب الايجابي موضوع حكم العقل باستحقاق العقاب عليها فى نظر العقلاء وذلك يكشف عن كون مدلول الخطاب ليس هو هذا البناء لأنك قد عرفت أن الأشاعرة لا يقولون باستحقاق العقاب والثواب بالمخالفة والموافقة لحكم العقل بذلك لانهم لا يرون ثبوت الحسن والقبح العقليين وما يتفرع عليهما بل يرون ان استحقاق الثواب والعقاب إنما هو تابع للوعد والوعيد من الشارع المشرع للاحكام فما حكم الشارع بثبوته يحكمون بثبوته وما نفاه يحكمون بعدمه وان كان العقل يقبح ما اثبته الشرع ويحسن ما نفاه وعلى ما ذكرنا فى توجيه مدعى الأشاعرة لا يصح رده بانا لا نجد في نفوسنا عند الأمر بشيء صفة زائدة على ما يحدث فيها من العلم بمصلحة الشيء المأمور به والشوق الى صدوره من المأمور وارادة الامر به وغير ذلك من الاحساسات التي تلزم الآمر حين الامر فحينئذ لا شاهد لنا عليهم بوجود الارادة والكراهة عند الامر بشيء او النهي عنه إلا هدم اساسهم وابطال حججهم التي استدلوا بها على مدعاهم المزبور.
اما الدليل الاول فلا يخفى ما فيه لان الاوامر الامتحانية على قسمين (أحدهما) ان يكون مقصود الآمر هو صدور العمل وتحققه خارجا لاستكشاف قدرة المأمور على ذلك العمل لا لمصلحة فيه يحاول الآمر تحصيلها بنفس العمل الذي أمر به وفي مثله لا محالة تتعلق ارادة الآمر بنفس العمل لتوقف غرضه الباعث له على الامر على تحقق العمل فلا يكون الطلب في هذا القسم من الاوامر منفكا عن الارادة (ثانيهما) ان يكون مقصود الآمر هو استكشاف استعداد