لأنّ العلم بالعارية أشبه بالهبة ؛ لأن الواهب إذا وهب شيئا خرج عن ملكه ، بخلاف العارية ، ولهذا قال تعالى : ((١) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) ، ولم يقل ببخيل.
ومن ذلك السبيل والطريق ، والأول أغلب وقوعا فى الخير ، ولا يكاد اسم الطريق يراد به الخير إلا مقترنا بوصف أو إضافة تخلّصه لذلك ، كقوله تعالى (٢) : (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ). وقال الراغب : السبيل الطريق التى فيها سهولة ، فهو أخص.
ومن ذلك جاء وأتى ؛ فالأول يقال فى الجواهر والأعيان. والثانى فى المعانى والأزمان ؛ ولهذا ورد فى قوله : ((٣) وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ). ((٤) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ). ((٥) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ). وأتى فى : ((٦) أَتى أَمْرُ اللهِ). ((٧) أَتاها أَمْرُنا) : وأما ((٨) وَجاءَ رَبُّكَ) ؛ أى أمره ، فإن المراد به أهوال القيامة المشاهدة وكذا (فَإِذا (٩) جاءَ أَجَلُهُمْ) ، لأن الأجل كالمشاهد ، ولهذا عبّر عنه بالحضور فى قوله : حضره الموت ؛ ولهذا فرق بينهما فى قوله : ((١٠) جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ. وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ) ؛ لأنّ الأول العذاب ، وهو مشاهد مرئىّ بخلاف الحق. وقال الراغب : الإتيان : مجىء بسهولة ؛ فهو أخصّ من مطلق المجيء. ومنه قبل للسبل المارّ على وجهه أتاويّ ، وأتيّ.
__________________
(١) التكوير : ٢٤
(٢) الأحقاف : ٣٠
(٣) يوسف : ٧٢
(٤) يوسف : ١٨
(٥) الفجر : ٢٣
(٦) النحل : ١
(٧) يونس : ٢٤
(٨) الفجر : ٢٢
(٩) الأعراف : ٣٤
(١٠) الحجر : ٦٣ ، ٦٤