فإن قلت : ما الفرق بين قوله (١) : فانظروا ، ثم (٢) انظروا؟
والجواب أنه جعل النظر مسبّبا عن السير فى قوله : فانظروا ؛ فكأنه قال : سيروا لأجل النظر. وأما قوله (٣) : قل سيروا فى الأرض ثم انظروا ـ فمعناه إباحة السير للتجارة وغيرها من المنافع ، وإيجاب النظر فى الهالكين.
(فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ)(٤) ، بتشديد الذال بمعنى لا يكذبونك معتقدين لكذبك ، وإنما هم يجحدون الحق مع علمهم به. ومن قرأه بالتخفيف قيل معناه لا يجحدونك كاذبا. يقال : أكذبت فلانا إذا وجدته كاذبا ، كما يقال أحمدته إذا وجدته محمودا. وقيل هى بمعنى التشديد ؛ يقال أكذب فلان فلانا ، وكذّبه بمعنى واحد. وهو الأظهر ؛ لقوله بعد هذا : يجحدون.
ويؤيد هذا ما روى أنها نزلت فى أبى جهل ؛ فإنه قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنا لا نكذّبك ، ولكن نكذب ما جئت به ، وإنه قال للأخنس ابن شريق : والله إن محمدا لصادق ، ولكنى أحسده على الشرف.
(فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ)(٥) ؛ أى من الذين يجهلون أنّ الله لو شاء لجمعهم على الهدى. وقد قدمنا أن قول الله : فلا تكوننّ ـ بالتأكيد ـ لرسوله لإفراط محبته فيه ، لأنّ العادة أن يكون الاجتهاد على قدر المحبة ، بخلاف قوله لنوح (٦) : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) ؛ لأنه صفىّ ، ولا يبلغ قدر المحب.
(فَرَّطْنا)(٧) ؛ أى ضيّعنا وأغفلنا. والمراد بالكتاب فى الآية اللّوح المحفوظ. والكلام على هذا عامّ. وقيل القرآن ؛ ومعناه أن الله لم يفرط فيه من شىء ؛
__________________
(١) آل عمران : ١٣٧
(٢) الأنعام : ١١
(٣) الأنعام : ١١
(٤) الأنعام : ٣٣
(٥) الأنعام : ٣٥
(٦) هود : ٤٦
(٧) الأنعام : ٣٨