وهكذا نداؤه سبحانه للرسل والأمم يومئذ ، كقوله (١) : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ). والرّسل صلوات الله وسلامه عليهم لم يذهلوا عن جواب قومهم لهم فى الدنيا ؛ لأنهم آمنون يومئذ ؛ وإنما تأدّبوا مع الله سبحانه لردّ العلم إليه سبحانه. قال ابن عباس رضى الله عنه : المعنى لا علم لنا إلا ما علّمتنا. وقيل معناه علمنا ساقط فى جنب علمك. ويقوّى هذا قولهم (٢) : (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) ؛ لأن من علم الخفيّات لم تخف عليه الظواهر. وسؤال الله لهم مع علمه توبيخ واحتجاج على المخالفين.
وانظر الصحابة رضى الله عنهم كيف تأدّبوا بهذا الخلق العظيم فى آخر حجّة الوداع لما قال صلىاللهعليهوسلم : أىّ يوم هذا؟ أى شهر هذا؟ أى مكان هذا؟ فأجابوا بقولهم : الله ورسوله أعلم ، مع أنهم علموا الشهر واليوم والمكان ؛ لكنهم تأدّبوا معه صلىاللهعليهوسلم ، وتوهموا لعله أن يريد غير هذا.
(فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ)(٣) : هذه عادة الله سبحانه فى عقاب من طلب من الرسول آية فكفرها ؛ وأصحاب المائدة سألوها من عيسى ، فقال الله : إنى منزّلها عليكم ، فكفروا ، فمسخهم الله قردة وخنازير. قال عبد الله [٢٢٧ ا] بن عمر : أشدّ الناس عذابا يوم القيامة من كفر من أصحاب المائدة ، وآل فرعون ، والمنافقون.
(فَانْظُروا)(٤) : أمر الله رسوله أن يأمر قريشا بالسير فى الأرض للاعتبار بمنازل الكفار الذين كانوا قبلهم.
__________________
(١) القصص : ٦٥
(٢) المائدة : ١٠٩
(٣) المائدة : ١١٥
(٤) آل عمران : ١٣٧